للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-شواهد الشافعية في سد الذرائع:

أخذ الشافعية بمبدأ سد الذرائع كما تقدم إذا كان منصوصًا عليها في القرآن أو السنة، كما أخذوا بالمبدأ وهو الذريعة إذا تحقق أداؤها للمفسدة، فما يقطع بتوصله إلى الحرام فهو حرام، وفرقوا في هذا بين سد الذرائع وتحريم الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه، أي المفضية إليه بصورة قطعية، وهم أشبه بالحنفية الذين ينكرون اعتبار سد الذرائع أصلًا من أصول التشريع لكنهم من جانب آخر يتفقون مع بقية الأئمة في بعض تطبيقات المبدأ، ويصرحون في تعليل الأحكام به، عملًا بأصول اجتهادية أخرى، مثل قاعدة: " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " ومثل الأخذ بمبدأ الضرورة أو الحاجة في استثناء بعض الأحكام من تطبيق قاعدة الحكم العام، ويظهر من الأمثلة التالية أخذهم بالذرائع لكن دون غيرهم في الكثرة والقلة (١) .

من ذلك استحباب أداء المعذورين في ترك الجمعة كالمرضى والمسافرين صلاة الظهر، في حال السر أو الخفاء، سدا لذريعة التهمة في تركهم صلاة الجمعة، ومثل قول الإمام الشافعي بأنه لا ضمان على الأجير المشترك كالقصار والملاح ولكنه لا يفتي به لفساد الناس، وكذلك قوله بقضاء القاضي بعلمه الشخصي في الحوادث.

وقول الشافعية بمنع المفطر بعذر من الأكل، عند من لا يعرف عذره، سدًا لذريعة التهمة بالفسوق والمعصية (٢) .

وقولهم بعدم لزوم إقرار المحجور عليه بدين لزمه قبل الحجر، في حق الغرماء؛ لأنه قد يتخذ إقراره ذريعة إلى التصرف بأمواله بتواطؤ وحيلة (٣) .

وقولهم بمنع الوكيل بالبيع من بيع السلعة لنفسه، حتى لا يتهم بنقص الثمن (٤) . وقولهم المشهور بحرمان القاتل من الميراث، بمختلف أنواع القتل، سواء كان القاتل متهمًا بتعجيل الإرث أو غير متهم حسما للباب، وسدًا للذريعة (٥) . وإجازتهم قتل من يتترس به الكفار من أطفال ونساء وأسرى مسلمين، حتى لا يتخذ التترس ذريعة إلى ترك الجهاد أو استيلاء الكفار على ديار المسلمين (٦) . وكراهيتهم كل ما يكون ذريعة إلى الإثم، من باب التعاون عليه، كبيع العنب لمن يعصره خمرًا، والتمر ممن يعمل النبيذ وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى به؛ لأنه لا يأمن أن يكون معونة على المعصية.

وإبطالهم شراء الحربي سلاحًا كدرع وترس في الماضي؛ لأنه يستعين به على قتالنا (٧) .


(١) الذرائع للأستاذ البرهاني ص٦٥٨ ـ٦٦٤
(٢) المهذب ١/١٧٨
(٣) المهذب ١/٣٢١
(٤) المهذب ١/٣٥٢
(٥) المذهب ٢/ ٢٤ ـ ٢٥
(٦) المهذب ٢/ ٢٣٤
(٧) المهذب ١/ ٢٦٧، مغني المحتاج ٢/١٠، ٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>