للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢- على أنه إذا طرق الحكم والمحتكمون موضوعًا لا يجوز التحكيم فيه، فقضى الحكم فيما ليس من شأنه، فإن حكمه لا ينفذ في رأي الجمهور، بينما يرى المالكية أنه إذا قضى فيما لا يجوز له الحكم فيه، فإن حكمه يمضي إن كان صوابًا، وليس لأحد الخصمين أو الحاكم نقضه، وإن خالف رأيه؛ لأن حكم المحتكم إليه يرفع الخلاف عندهم، وإن كان حكمه خطأ وترتب عليه إتلاف عضو فالدية على عاقلته، وإن ترتب على إتلاف مال كان الضمان عليه في ماله (١) ، وفي ذلك يقول ابن فرحون في التبصرة: (وحيث قلنا لا يحكم في هذه المسائل، فلو حكم فيها بغير الجور نفذ حكمه، وينهى عن العود لمثله، ولو أقام ذلك بنفسه فقتل أو اقتص أو ضرب الحد، أدب وزجر، ومضى ما كان صوابًا من حكمه، وصار المحدود بالقذف محدودًا، والتلاعن ماضيًا) (٢) .

ولا ريب أن رأي الجمهور في عدم نفاذ الحكم الصادر في موضوع محظور على التحكيم هو الرأي الأولى بالاتباع لقوة سنده، وهو ما اختارته أغلب نظم التحكيم الإسلامية، أما عن معيار المنع، فقد اختار كثير منها في أنظمتها الحديثة أن يجعل هذا المعيار هو: أن يكون الموضوع من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، ومن ذلك نظام التحكيم الكويتي (المادة ١٧٣ / ٣ من قانون المرافعات الكويتي) ونظام التحكيم السعودي (المادة الثانية) ، وقد مثلت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لهذا النظام الأخير لما لا يجوز فيه الصلح بالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما هو متعلق بالنظام العام.

وهناك بلاد إسلامية أخرى آثرت أن تعدد صراحة ما هو محظور على التحكيم من موضوعات ومن ذلك ما جنحت إليه بعض نظم التحكيم في دول المغرب العربي، مثل تونس والمغرب والجزائر (٣) .


(١) مغنى المحتاج ج ٤ ص ٣٧٩؛ أدب القضاء لابن أبي الدم ج ١ ص ٤٢٨ ح الفتاوى الكبرى لابن حجر ج ٤ ص ٢٩٠؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج ٤ ص ١٣٦.
(٢) التبصرة ج ١ ص ٤٤.
(٣) راجع المادة (٢٦٠) من مجلة الأحكام المدنية والتجارية (التونسية) عدد ١٣٠ لسنة ١٩٥٩ في ٥ / ١٠ / ١٩٥٩، والمادة (٣٠٨) من قانون المسطرة المدنية (المغربي ٩ ظهير شريف بمثابة قانون – م ٤٤٧ – ٧٤ – ١ بتاريخ ١٨ / ٩ / ١٩٧٤، والمادة (٤٤٢) من قانون الإجراءات المدنية (الجزائري) رقم ٦٦ – ١٥٤ في ٨ يونيو سنة ١٩٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>