للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان القاضي المولى ليس له أن ينظر أي دعوى إلا إذا حضر إليه خصم فيها يستعديه، ويطلب منه الحكم في قضيته، فإنه لذلك يجب أن يلجأ إليه أحد الخصوم في دعوى التحكيم يستعديه على خصمه، ويطلب من القاضي أن يقضي له بتنفيذ حكم التحكيم، إذا كان قد صدر الحكم لصالحه، أو يطلب منه الحكم بعدم صحة هذا الحكم إذا كان قد صدر ضده، وذلك حتى لا يظل سيفًا مصلتا على رقبته، والقاضي في كلا الحالتين، عليه أن يتحقق من صحة حكم التحكيم، في إجراءاته وموضوعه، فيثبت من رضا الطرفين بالتحكيم، وبالحكم، ومن أن المحتكم إليه يتمتع بالأهلية الواجبة، ولم يخرج عما فوض إليه الحكم فيه، كما لم يخالف شرع الله فيما حكم فيه.

وليست هناك شكلية محددة تلزم القاضي لكي يتحقق من تراضي الطرفين على التحكيم، ومن صدور الحكم، ومن تفصيلات ما قضي به، فليست الكتابة مطلوبة لشيء مما ذكره، كما أن الإشهاد ليس واجبًا، غير أن الإثبات قد يعز في بعض الحالات، فينكر أحد الطرفين أنه كان قد رضي بالتحكيم أو بالحكم، أو ينكر صدور الحكم كله أو جزئية من جزئياته، ولذلك فقد يكون الإشهاد مفيدًا في إثبات التحكيم وإثبات الحكم، لا سيما وقول المحتكم إليه لا يقبل في إثبات رضاء الطرفين من تحكيمه بينهما؛ لأن قوله في هذه الحالة ينطوي على إدعاء ولاية لنفسه على المحتكمين، فإذا أنكراها أو أنكرها أحدهما، فلا يكفي قول المحتكم إليه في إثباتها، أما إجراءات التحكيم، أو ما ثبت لديه قبل إصداره الحكم، أو صدور الحكم ذاته، فإنه وإن كان قول المحتكم إليه مصدقًا في ذلك، إلا أن شرطه يصدر عنه هذا القول قبل انتهاء ولايته بإصدار الحكم، فإن انقضى التحكيم فلا ولاية له، ولا بد من الإثبات بالطرق المقررة شرعًا، ولا يكفي مجرد إجباره؛ لأنه لا يملك إنشاء ما يقربه بعد انتهاء ولايته، فلا يملك الإقرار به، وإخباره يعتبر شهادة على فعل نفسه لا يبرأ من التهمة. (١)


(١) المبسوط للسرخسي ج ١١ ص ٦٣ وحاشية السدوقي على الشرح الكبير ج ٣ ص ١٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>