للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

التحكيم عند اختلاف الدين أو الدار

أ- التحكيم في منازعات غير المسلمين في الدولة الإسلامية:

٣٨- في داخل الدولة الإسلامي، ينشر الإسلام سلامه على أفراد الدولة جميعهم، من آمن منهم ومن كفر، لا يفرق بين أحد منهم، فالجميع متساوون في الحقوق وفي الواجبات سواء أكانوا من المؤمنين الذين آمنوا بالله وبرسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أم كانوا من الذميين الذين سمح لهم بممارسة شعائر دينهم تحت حماية الدولة، وكان لهم حقوق المسلمين وعليهم واجباتهم، أم كانوا من المستأمنين الذين يقيمون في الدولة بصفة مؤقتة ويستظلون بأمانها، فيكونون بمنزلة أهل الذمة في ديارنا طوال فترة إقامتهم (١) .

غير أن هذه المساواة تهدر الآثار التي قد تنشأ عن طبيعة الطائفة التي ينتمي إليها الرعية، فمن ينتسب إلى المسلمين مكلف – وحده – بالزكاة مثلًا، ومن يتمني إلى الذميين مطالب دون غيره بالجزية، ومن هم من المستأمنين يجب عليه تنفيذ ما التزمه في عقد الأمان، ولا شأن لغيره في ذلك.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه المساواة لا تتعارض مع ما قد تتطلبه بعض الوظائف أو الأعمال من اشتراطات خاصة، فإذا استلزمت بعض هذه أو تلك، شروطًا معينة لا تتوافر إلا في طائفة من هذه الطوائف أو في بعض من الطائفة، فإن تخصيصها بذلك لا يعد إهدارًا للمساواة أو افتئاتًا على حقوق الآخرين.

فوظيفة القضاء مثلًا، تستلزم فيمن يعهد به إليه صفات خاصة تحمل على الثقة به، إلى القدر الذي يجعل له ولاية على غيره، فينفذ قوله على رقاب العباد وأموالهم.


(١) شرح السير الكبير للسرخسي ج ١٢ ص ٢٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>