للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحكيم صنو القضاء، أو هو فرع منه ذلك لأنه إذا كان عقدًا في البداية فهو حكم في النهاية، وكذلك فإنه يشترط في المحتكم إليه – بحسب الأصل ما يشترط في القاضي المولى، ومن ذلك شرط الإسلام، فغير المسلم لا يصح تقليده القضاء على المسلمين؛ لأنه ممنوع من القيام على شؤون المسلمين بمثل قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ٤١] ، ولأن في توليه عزة له على المسلمين ونفوذًا عليهم والله سبحانه يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] ، وليس في هذا تمييز لطائفة المسلمين، بدليل أن الفاسق منهم ممنوع من توليه القضاء مع أنه أحسن حالًا من الكافر، إذ تجري عليه أحكام الإسلام (١) .

٣٩ – وعلى هذا الرأي استقر جمهور فقهاء المسلمين من شافعية ومالكية وحنابلة فقالوا بعدم جواز تولية غير المسلم للفصل في منازعات المسلمين مع بعضهم البعض، أو في منازعاتهم مع غيرهم، فإذا ألجأت الضرورة المسلم إلى الترافع لقاض غير مسلم، فإن قضاء هذا القاضي ينفذ حتى لا تتعطل مصالح الناس (٢)

ويرى الحنفية أن الإسلام ليس شرطًا في القاضي الذي يفصل في المنازعة التي تنشب بين غير المسلمين، وإنما الشرط أن لا يكون الحاكم أدنى درجة من الذين يحكم بينهم، فإذا كانوا من المستأمنين جاز أن يفصل في خصومتهم قاض مستأمن يتحد معهم في الدار، أو قاض ذمي، وإذا كانوا ذميين، أو كان بعضهم ذميًّا والآخرون مستأمنين، جاز أن يحكم بينهم قاض ذمي؛ وذلك لأن مناط أهلية الحكم – عند الحنفية – هو أهلية الشهادة، فمن صلح شاهدًا صح أن يكن قاضيًا على من يشهد عليه، وأهل الذمة تصح شهادتهم على بعض وإن اختلفت مللهم، والمستأمنون تقبل شهادتهم على بعض إذا كانوا أهل دار واحدة وإلا انقطعت الولاية عليهم، والذمي تقبل شهادته على المستأمن؛ لأنه بعقد الذمة صار أقرب منهم إلى الإسلام. (٣)


(١) أدب القاضي للماوردي ج ١ ص ٦٣٢
(٢) الدكتور إسماعيل إبراهيم البدوي، نظام القضاء الإسلامي، الطبعة الأولى، ص ١٧٦، ١٧٧.
(٣) جاء في بعض الكتب الحنفية أنه يجوز أن يقلد الذمي القضاء في المنازعات بين المسلمين وغيرهم، على أن لا ينفذ حكمه إلا إذا قضى ضد غير المسلم، وقد كان هذا الرأي محل اعتراض كثير من الفقهاء، لمخالفته للأدلة العديدة التي تمنع ولاية غير المسلم على المسلم؛ ولأن الأمر يوقع في اضطراب، إذ كيف يكون الحكم نافذا وغير نافذ في وقت واحد، (المستشار جمال المرصفاوي، نظام القضاء في الإسلام، القسم الأول من البحوث المقدمة لمؤتمر الققه الإسلامي الذي عقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في سنة ١٣٩٦هـ، طبعة إدارة الثقافة والنشر بالجامعة، رد المحتار على الدر المختار، الطبعة الثانية ج٥ ص ٣٥٥؛ تبيين الحقائق للزيلعي ج ٤ ص ١٩٣؛ الفتاوى الهندية ج ٣ ص٣٩٧، ٣٩٨، والدكتور بدران أبو العينين بدران، العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين، طبعة ١٩٨٤ ص ٢١١ إلى ص ٢٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>