للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيما عدا الاستثناءات المشار إليها، فإن الفقهاء يتفقون جميعًا – بما في ذلك الأحناف – على وجوب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية، تطبيق أحكامها على هذه المنازعات فإذا قيل: إن القاضي سيكون غير مسلس فكيف يستساغ أن يطلب منه أن يحكم بما لا يؤمن به؟ ولا يقال: إن ذلك سوف ينطبق على الحالة التي يحكم فيها القاضي المسلم بين غير المسلمين في المسائل المستثناة؛ ذلك لأن فقهاء المسلمين عالجوا قضايا الذميين والمستأمنين التي يختلفون فيها مع المسلمين، بوضع قواعد موضوعية مستمدة من الشريعة الإسلامية، تحكم هذه القضايا، ولم يضعوا قواعد إسناد تحيل إلى قانون آخر غير الشريعة الإسلامية (١) ، كما أنه لا يغير من ذلك ما هو مسلم به من وجوب أن نتركهم وما يدينون؛ لأن معنى ذلك أن لا نتعرض لهم فيما يدينون، لا أن نحكم بينهم بما يدينون، إن خالفوا الإسلام (٢) .

٤١- على أن التحكيم قد يقتضي نظرة خاصة تتفق مع طبيعته، وما يحكمه من قواعد شرعية، تختلف عن القضاء من عدة وجوه:

أولها: أن غير المسلمين إذا تحاكموا إلى حكام من أهل دينهم، فإنه يلتزمون بما يحكمون به، لالتزامهم له، وليس لأنه لازم لهم من الأصل (٣) .

وثانيها: أن حكم التحكيم مرجعه إلى القضاء حين يراد التنفيذ به جبرًا، وعلى القضاء أن يتحقق من مطابقة الحكم لأحكام الشريعة الغراء، فإذا لم يلتق هذا الحكم مع النصوص أو الإجماع وخرج على مجموع ما استنبطه المجتهدون – في نطاق صلاحيتهم – كان على القاضي أن يهدر هذا الحكم ولا يأمر بتنفيذه.


(١) الدكتور عبد الكريم زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين ص ٤٨٩
(٢) حكم محكمة مصر الابتدائية الشرعية في ٢٠ يناير سنة ١٩٤٢ المنشور في مجلة المحاماة الشرعية سنة ١٥ ص ٤٩ وما بعدها.
(٣) الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>