للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- التحكيم في منازعات المسلمين خارج الدولة الإسلامية:

٤٢ – ذلك كله عن الاحتكام داخل الدولة الإسلامية (في دار الإسلام) ، أما الاحتكام خارجها (في دار الحرب) حيث لا سيطرة للمسلمين على الإقليم، ولا تظهر فيه أحكام الإسلام، فإن الأمر يحتاج إلى تفصيل آخر.

ذلك لأنه من المقرر – كقاعدة عامة – أن اغتراب المسلم عن دار الإسلام وإقامته في دولة غير إسلامية، لا يمنحه مبررًا لعدم الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، فإن كان وجوده في غير الدولة الإسلامية مما يخشى معه الفتنة في دينه له أو لأسرته، فإن عليه أن يهاجر منها تطبيقًا لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٩٧ – ٩٩] .

أما إذا كان بقاء المسلم في دار الحرب لا يشكل خشية على نفسه أو دينه أو دين أسرته، فلا محل لإلزامه بالهجرة، بل قد يكون في بقائه حيث هو فائدة ترجى، إذا ما حرص على أن يكون نموذجًا للمسلم الصالح، إذ سيكون آنذاك داعية للإسلام، حتى قال الإمام الماوردي: أنه إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفار، فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها، لما يترجى من دخول غيره في الإسلام، وبمثل ذلك أفتى الإمام محمد عبده بالنسبة للمسلمين المقيمين في بعض البلاد الأوروبية (١) .

فإذا أقام أحد رعايا الدولة الإسلامية في دار الحرب، وتعامل مع غيره مدنيًّا أو جنائيًّا، فالأصل عند الحنفية أن ما يقع في دار الحرب لا ولاية لنا عليه ولا شأن للقضاء الإسلامي به، أما عند الحنابلة والشافعية ومن جرى مجراهما، فإن معاملات دار الحرب معتبرة، ويقضى بموجبها في دار الإسلام، سواء أكانت بين حربيين أو حربي ومسلم أو كانت بين من هم من أهل دار الإسلام من مسلمين أو ذميين، دخلوا دار الحرب بأمان، وذلك لأن وجوب الوفاء بالعهد الذي أمر به الله سبحانه وتعالى هو عام لا يقتصر على ما يقع في دار الإسلام وحدها بل يتعداها إلى غيرها مما يقع في دار الحرب (٢) .


(١) الدكتور إسماعيل لطفي قطاني، اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات – رسالة دكتوراه – مطبعة دار السلام ص ٩٦ إلى ص ١٠٧ والمراجع المشار إليها فيها
(٢) الدكتور عبد الكريم زيدان، المرجع السابق ص ٤٥٣ وما بعدها والمراجع المشار إليها فيه، وقارن الدكتور أحمد محمد مليجي، النظام القضائي في الإسلام، مكتبة وهبة ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>