للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٣ – على أن اختصاص المحاكم الإسلامية في دار الإسلام، بما يقع في دار الحرب لا يحجب اختصاص المحاكم الأجنبية بذات الوقائع، وقد يجد الرعية الإسلامية ضرورة تلجئه إلى تلك المحاكم كمدع أو مدعى عليه، فيكون في هذه الحالة في وضع أشبه بالخضوع إلى قاضي الضرورة في دار الإسلام، فإذا قضى القاضي نفذ حكمه، وإن كان هذا لا يبيح للمحكوم له أن يقتضي ما ليس حقًّا له، أو يأخذ ما يستند إلى قاعدة تتعارض مع أحكام الشريعة الغراء.

غير أن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة، فقد يؤدي تطبيق القانون الأجنبي على موضوع الدعوى إلى نتائج وخيمة، كما إذا اتصلت هذه الدعوى بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية وكان الطرفان المسلمان يتمتعان بجنسية دولة لا تطبق الشريعة أو تأخذ بأحكام تختلف معها، كنظام التبني، أو نظام توريث مختلف، أو لا تجيز الطلاق، وكانت قواعد الإسناد الواجبة التطبيق لا تسمح بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، ففي هذه الحالات وأمثالها قد لا يستطاع إصلاح الآثار التي تترتب على أحكام القضاء الأجنبي.

٤٤- ولعل أفضل طريق لتفادي هذه الآثار السيئة، هو الالتجاء إلى نظام التحكيم الإسلامي، باختيار محكم مسلم، والاتفاق على تطبيق الشريعة الإسلامية على موضوع النزاع.

وقد يرشح لذلك أن أغلب دول العالم – حاليًّا – تسمح بقيام التحكيم فيها، وتمنح أحكامه قوة تنفيذية، سواء أكان تحكيمًا حرًّا (وهو ما يسمى بتحكيم الحالات الخاصة) أو كان تحكيم مؤسسات وهيئات، كما هو النوع الشائع الذي يحظى بتسهيلات أكثر، وفيه يلجأ المحتكمون إلى هيئة أو جمعية أو مركز، ليعاونهم في إجراءات التحكيم، ويقدم لهم – إذا أرادوا – محكمين متخصصين يختارون من بنيهم من يحوز ثقتهم، وهي وسيلة تسمح للجاليات الإسلامية أن تنشئ جمعية أو نحوها، تيسر على المسلمين إجراءات التحكيم، وتضع أمامهم قائمة بمن تفقهوا في الدين، ودرسوا الفقه الإسلامي، والتزموا بأن يحكموا بين الناس بحكم الله الذي حملته النصوص أو كشف عنه بالإجماع أو استنبطه المجتهدون.

<<  <  ج: ص:  >  >>