للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٥- على أن إنشاء مثل هذه الجمعية التحكيمية يقتضي الإلمام بنظام البلد الذي ستقوم فيه، والبلد الذي يحتمل أن ينفذ فيه الحكم، وذلك حتى يمكن الاستعانة بقضاء هذين البلدين، أو أحدهما لتنفيذ الأحكام التي تصدر عن التحكيم في الدولة غير الإسلامية، وسوف يجد القائمون على إنشاء هذه الجمعية في الفقه الإسلامي، من المرونة ما يسمح بأن تتوافق مع أحكامه كثير من الأوضاع التي تستلزمها نظم التحكيم في العالم، وذلك كالتزام المحتكم إليه بالضمانات الأساسية للتقاضي، ووجوب أن يكون عدد الحكام وترا، وجواز تدخل القاضي لاختيار المحكم إذا قامت صعوبات دون ذلك، ووجوب عرض مشارطة التحكيم على القضاء لاعتمادها، إلى غير ذلك من القواعد والأحكام التي أثبت نظام التحكيم السعودي الإسلامي – مثلًا، مرونة الفقه الإسلامي – إثباتًا عمليًّا – بتضمينها نظامه الإسلامي الجديد.

ومن ناحية أخرى فإنه يمكن تحاشي الاصطدام ببعض الأنظمة العنصرية التي لا تقبل اشتراط أن يكون المحكم مسلمًا، وذلك بعدم النص على ذلك في النظام الأساسي، مع مراعاة أن لا تحوي قائمة المحكمين إلا من هو على علم بالفقه الإسلامي، ويملك القدرة على حسن التطبيق والأمر – بعد ذلك كله – للمحتكمين الذين يستطيعون اختيار الحكم المسلم من القائمة التي تجمعه مع غيره.

كما يمكن تحاشي ما قد تثيره بعض الاتجاهات الحقودة من اعتراض على النص على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك باختيار نظام التحكيم بالصلح، إذ فيه لا يتقيد المحكمون بصورة عامة بقواعد القانون الموضوعي، على أن أهم الأمور التي يجب على مثل هذه الجمعية أن تراعيها، هو عدم الاصطدام بالنظام العام في البلد الذي سوف تنشأ فيه أو التي يحتمل أن تنفيذ أحكامها على أرضه، وليس ذلك بالأمر العسير، إذ إن قواعد النظام العام، التي تحقق المصلحة الأعلى للمجتمع وتعود على مصالح الأفراد، هي قواعد مرنة تضيق وتتسع حسبما يعتبر – في حضارة معينة – مصلحة عامة لا يجوز للأفراد أن يناهضوها باتفاقات بينهم، حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، ولا توجد قاعدة ثابتة تحدد النظام العام تحديدًا مطلقًا، يتمشى مع كل زمان ومكان. (١) .


(١) الوسيط للدكتور عبد الرزاق السنهوري، الجزء الأول ص ٣٩٩ بند ٢٢٨، من الطبعة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>