للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جرت أغلب بلاد العالم على إجازة التحكيم فيما يجوز فيه الصلح، ففي مسائل الأحوال الشخصية – مثلًا – لا يجوز التحكيم في خصومة تتصل بالأحوال الشخصية البحتة، ويجوز فيما يتصل بالمصالح المالية المتعلقة بها، وبذلك لا يجوز التحكيم في خصومة تتصل بما إذا كان الولد شرعيًّا أو بالتبني، وما إذا كان عقد الزواج صحيحًا أو باطلًا، وما إذا كان الشخص وارثًا أو غير وارث، أو في خصومة تتعلق بالحجر على الأشخاص، ويجوز التحكيم في منازعة على التعويض عن الأضرار التي نتجت عن فسخ الخطبة، أو فيما يترتب على عقد الزواج الباطل، أو في تحديد مقدار النفقة الواجبة للزوج أو لأحد الأقارب أو للصغير أو الزوجة، أو في الخصومة المتعلقة بقسمة التركة أو إدارتها قبل التقسيم، وكذلك لا يجوز التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية التي لا يقبل نظرها أمام قضاء الدولة لسبب يتعلق بالنظام العام، كما إذا كان الزواج في غير الشكل الواجب أو كان أحد الزوجين لم يبلغ السن القانونية (١) .

وإذا أمكن تنفيذ ما يتطلبه نظام البلاد المتصلة بالتحكيم – مكانًا أو تنفيذًا – فإننا بذلك نطبق نظامًا مؤتمنًا في دار الحرب، يحرص على إنزال حكم الله، على يد من يوثق في دينه وعلمه، وبما لا يتعارض مع أنظمة الدول غير الإسلامية، ويسمح باستمرار إقامة المسلم في غير البلاد الإسلامية، ناشرًا على العالم المحايد نظامًا سماويًّا فريدًا، شرعه أحكم الحاكمين.

أما إذا قامت العقبات أمام إنشاء مؤسسة التحكيم، فإن في التحكيم الحر سعة للمسلمين، يختارون فيه عناصر التحكيم كاملة، ويراعون أن يكون التنفيذ بالاستعانة ببلد إسلامي، يسمح نظامه بهذه المعاونة بالنسبة للتحكيم الأجنبي، وسوف تيسر لهم الأمور، موافقة دول إسلامية كثيرة على معظم اتفاقيات التحكيم الدولية، وهي في تزايد مستمر، ومن هذا القبيل ما أعلنته المملكة العربية السعودية عام ١٩٩٣ عقب انتهاء الدورة الرابعة عشرة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي من موافقتها على الانضمام إلى اتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في نيويورك في الفترة من ٢٠ مايو إلى ١٠ يونيو سنة ١٩٥٨.


(١) الدكتور أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري، الطبعة الرابعة ص ٧٠، ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>