للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٩ – وانطلاقًا من الطبيعة الرضائية للتحكيم الدولي، فإن أمة الإسلام لا تجبر على تحكيم لا ترتضيه، ولا على حكم لم تختره، كما أن الحكم نفسه لا يجوز له أن يقضي في المنازعة المعروضة إلا إذا استوثق من رضاء الطرفين به وقبولهما – مقدمًا – تنفيذ ما يقضي به، وذلك على نحو ما فعله سعد بن معاذ رضي الله عنه، في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين تحقق من رضاء المسلمين ورضاء يهود بني قريظة قبل أن يحكم فيما حكم فيه.

فإذا حاصر المسلمون قلعة أو حصنًا من حصون الكفار ونزل هؤلاء على حكم رجل منا حكموه فيهم، فإن عينوه فقد قال الجمهور جاز حكمه، وفي ذلك قول الشافعية أنه لو حاصرنا قلعة فنزل أهلها على حكم الإمام أو حكم رجل عدل في الشهادة عارف بمصالح الحرب قد اختاروه، جاز (١) .

ويقول المالكية: إن المشركين إذا نزلوا على حكم رجل مسلم عدل قد عرف المصلحة للمسلمين فإن العدو يجبر على حكمه، فإن لم يكن هذا المؤمن عدلًا، ولو عرف المصلحة، أو لم يعرف المصلحة ولو كان عدلًا، أو انتفيا جميعًا، فإن أمير المؤمنين ينظر فيما أمن فيه فإن كان صوابًا أبقاه، وما كان غير صواب رده (٢) .

أما إذا لم يعين الكفار الحكم الذي يرضونه من جيش المسلمين، فإن الأمير يعين من يصلح، إذا قبلوه مضى وإلا فليس لنا أن نجبرهم على حكم رجل لم يرضوه.

والمروي عن الجمهور أن الحكم الذي يحق له أن يحكم بين المسلمين وأعدائهم يجب أن يكون مسلمًا؛ لأن أحد الطرفين المتحاكمين مسلم، والحكم نوع من الولاية، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم.

ومع ذلك فقد أجاز بعض المالكية كالإمام الخرشي – اشتراط الكفار – في عقد المهادنة أن يحكموا بين المسلم وغير المسلم إذا دعت لذلك ضرورة فيقول في شرحه لمتن خليل عند استعراضه لشروط المهادنة: ويجب أن يخلو عقدها من شرط فاسد، وإلا لم يجز، كشرط بقاء مسلم أسيرًا بأيديهم، أو بقاء قرية للمسلمين خالية منهم، وأن يحكموا بين مسلم وكافر، وأن يأخذوا منا مالًا، إلا لخوف، فيجوز كل ما منع (٣) .


(١) روضة الطالبين ج ١٠ ص ٩٣.
(٢) حاشية المواق، هامش مواهب الجليل للحطاب ج ٣ ص ٣٦٠.
(٣) الخرشي على متن خليل ج ٢ ص ٤٤٨، ٤٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>