للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وضع المشرع حدودًا لإرادة الطرفين، فلم يجز لها- مثلًا- أن تتدخل في تحديد القانون الواجب التطبيق، وإن أجاز لها في حدود معينة – أن تلزم المحتكم إليه بأن يقضي بينهما على مقتضى مذهب معين يحددانه.

وفيما يختص بموضوع التحكيم، فلم يجز المشرع- في رأي الجمهور- التحكيم في الحدود والقصاص واللعان، أما فيما عدا ذلك فقد اختلف فيه الفقهاء، ووضع له المالكية معيارًا مقبولًا قوامه منع التحكيم في كل ما هو حق الله تعالى، وما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه من غير المتحاكمين ممن لا ولاية للحكم عليهم، وما اقتضى عظم قدره وخطره أن يعهد به إلى القضاء المولى دون غيره.

وقد اختار بنظام التحكيم السعودي- في هذا الشأن – أن يمنع التحكيم فيما لا يجوز الصلح فيه، كالحدود واللعان وكل ما يتعلق بالنظام العام، بينما اختارت النظم في بعض البلاد الإسلامية الأخرى (كالمغرب، والجزائر، وتونس) أن تنص على الموضوعات المحظورة على سبيل الحصر.

فإذا قضى المحتكم إليه في موضوع لا يجوز التحكيم فيه، فالجمهور يرون عدم تنفيذ حكمه، بينما يرى المالكية أن حكمه يمضي إن كان صوابًا، أما إذا كان خطأ وترتب عليها إتلاف عضو، فالدية على عاقلته، وإن ترتب عليه إتلاف مال كان الضمان عليه في ماله.

وفيما عدا ما أقامه المشرع من حدود لإرادة المتحاكمين، فإن التحكيم يولد آثاره على النحو الذي ارتضياه، ومن ذلك أثره السلبي المتمثل في قبول عدم الاحتكام إلى القضاء، وذلك من وجهة نظرنا إذا كان التحكيم ممكنًا وأثره الإيجابي في فض الخصومة على يد المحتكم إليه بما يصدره من حكم ملزم لهما، وذلك ما لم يرجع المحتكمون عن التحكيم، فذلك حق لهما اتفق الأئمة على جوازه ما دام المحتكم إليه لم يشرع في التحكيم بعد، واختلفوا فيما عدا ذلك، ورأي الجمهور أنه لا يجوز لهما الرجوع إذا شرع في التحكيم أو أصدر حكمه فعلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>