للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتحديد شخصية المحتكم إليه أهمية كبرى في التحكيم الرضائي، إذ ذلك هو مبنى الثقة فيه وفي قدرته، ولذلك فإنه يجب أن يعينه أطراف الخصومة باسمه أو بصفته، فإذا لم يعيناه وأصرا على التحكيم، جاز لأيهما رفع الأمر إلى القاضي المولى، ليقوم بهذا التعيين على ضوء ما اتفاق عليه أو على هدي ما ينص عليه نظام التحكيم الذي يستظلان به، وليس في هذا افتئات على إرادة الطرفين، وإنما هو من باب الوفاء بالعقود، وإعمال لوظيفة القضاء في حسم ما ينشأ بين الناس من منازعات دون تقييد بأنواع معينة منها، وقد أخذ بهذا نظام التحكيم السعودي في المادة العاشرة منه.

وليس في الفقه الإسلامي ما يوجب أن يكون الحكم فردًا، أو متعددًا، ولا ما يوجب في حالة التعدد أن يكون العدد وترًا، وإنما الأصل فيه أن يكون الحكم – في حالة التعدد – بالإجماع؛ لأن المتحكمين إنما رضوا برأي الحكام جميعهم، لا برأي أغلبهم، فإذا أريد اعتماد رأي الأغلبية فلا بد من إذنهم بذلك، أو وجود نص في نظام التحكيم الذي يظلهم على نحو ما جنح إليه التحكيم السعودي.

واختيار المحتكم إليه بإرادة الطرفين وبناء على ثقتهما فيه ليحكم بينهما، من شأنه أن يعلي عوامل الثقة على عوامل الكفاءة، فيؤدي ذلك إلى الترخص في شروطه بالمقارنة بشروط القاضي المولى، وذلك ما لم يصطدم هذا الترخص بالنص كشرط الإسلام، أو يتعارض مع العقل كشرط العقل والتمييز، إذ لا ولاية للمجنون ولا للصبي غير المميز على أنفسهما، حتى تكون لهما ولاية على غيرهما، أما ما عدا ذلك من الشروط التي تشترط في القاضي المولى، فإن في خلاف الفقهاء سعة في التطبيق، فيجوز مثلًا اعتماد حكومة الفاسق، أو الجاهل الذي يستشير، أو المرأة، أو الأعمى، ونحو ذلك، ما دام الطرفان يعلمان هذا العوار ويرضيان بالتحكيم مع وجوده، وتطبيقًا لهذا فقد اختار النظام السعودي عدم جواز رد المحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد إيداع وثيقة التحكيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>