للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مداواة حفر الأسنان:

يقول خليل: وكره مداواة حفر زمنه إلا لخوف ضرر.

فمداواة حفر الأسنان في نهار رمضان له أحوال:

أ - أن يخشى الضرر من تأخير الدواء إلى الليل أو إلى ما بعد رمضان، وهنا إن بلغ خوفَ هلاكٍ وجب، وإن خشي حدوث مرض أو زيادته أو شدة ألم جاز له الإقدام على المداواة، فإن سلم ولم يبتلع منه شيئًا صح صومه، وإن ابتلع منه غلبة قضى، وإن تعمد الابتلاع فهو كمن أكل في نهار رمضان متعمدًا.

ب - أن لا يخشى الضرر ولا شدة الألم، ولكنه في حاجة إلى مداواة حفر أسنانه، فيكره له ذلك في نهار رمضان.

جـ - المداواة ليلًا، فإن لم ينزل منه شيء إلى باطنه في النهار فلا حرج في ذلك، وإن نزل منه إلى حلقه فيمكن إلحاقه بالكحل، فلا حرج فيه , ويمكن التفريق بينه وبين الكحل بأن الكحل نفذ من الداخل إلى الحلق، والفم ليس من الداخلِ. (١)

وجاء في نوازل ابن رشد في الذي يقلع ضرسه من وجع فلا يفتر إلا بدواء يضعه عليه كيف يفعل؟

وسئل عن الرجل يقلع ضرسه من وجع به فلا يفتر الوجع من الموضع إلا بدواء يضعه عليه، كيف يفعل في رمضان؟

فأجاب: " إذا كانت حاله على ما وصفت، فله سعة في أن يضع اللبان في موضع الضرس في رمضان , ويقضي اليوم الذي اضطر فيه إلى ذلك، والله تعالى ولي التوفيق لا شريك له ". (٢)

الذي يظهر لي أن المالكية قد اعتمدوا في فتاواهم الأصل الذي توسعوا في تطبيقه والقول بمقتضاه، وهو سد الذرائع، وإلا فإنه إذا لم ينزل شيء إلى المعدة مما دخل الفم، فهو لا يختلف عن الذي تمضمض بالماء ثم مجه، ومما يوضح ذلك ما علل به الرهوني: " أن المتحلل إذا رجع من الحلق لا يسلم غالبا من أن يبقى في المحل منه ما يصل إلى الجوف مع الريق بخلاف غير المتحلل ". (٣) وما علل به أيضا ابن الماجشون بأنه ليست العبرة بالغذاء، وإنما لأن حلق الصائم حمى فلا يجاوزه شيء. (٤)

الجامد إذا وصل الحلق ولم ينفذ إلى الداخل:

يقول الرهوني: " إذا وصل الجامد إلى الحلق ولَفَظَه، فلغو باتفاق، خلافا لما فهمه البناني ومصطفى احتجاجا بكلام التلقين ". (٥)

ولا يظن أن كلام البناني ومصطفى يدل على وجود قولين في المذهب؛ لأن مستواهما لا يعدو ضبط الأقوال وحسن فهمها وإسنادها إلى قائليها، فيعترض عليهما وعلى من كان في مرتبتهما بعدم التوفق في فهم أقوال من سبقهم فقط.


(١) الزرقاني: ٢/ ١٩٩
(٢) الفتاوى: ٢/ ٩١٢؛ حاشية كنون: ٢/ ٣٥٥
(٣) حاشية الرهوني: ٢/ ٣٦١
(٤) حاشية الرهوني: ٢/ ٣٥٩
(٥) الرهوني: ٢/ ٣٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>