للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنفذ الثاني: الأنف

الأنف منفذ إلى الحلق وما وراءه - قطعا يدرك ذلك حتى غير أهل الاختصاص - فكثير من العمليات الجراحية يدخل الفريق الطبى أنبوبًا طرفه بالمعدة وطرفه بجهاز استقبال يتجمع فيه إفرازات المعدة (١)

وبالرجوع إلى نظريات الفقهاء نجد:

الحنفية: أن المتحلل المار من الأنف مفطر إذا بلغ ما وراء الحلق - وهو السُّعُوط -، ونقل عن الولوالجي أن السعوط غير مفطر، دخل بنفسه أو أدخله، لأنه لم يوجد الفطر صورة ولا معنى، لأنه مما لا يتعلق به صلاح البدن بوصوله إلى الدماغ، وصحح هذا القول في المحيط وفي فتاوى قاضي خان (٢)

ويقول ابن عابدين تعليقا على قول المتن (أو اسْتَعَطَ) : " والسعوط الدواء الذي صب في الأنف وأسعطه إياه، موجب للإفطار والقضاء، ويعلل ذلك بأن الإفطار بالسعوط إفطار معنى لا صورة؛ لأن السعوط يقع بدون ابتلاع الذي هو الصورة ". (٣)

ويترجح ما ذهب إليه ابن عابدين خلافا للولوالجي والمحيط وقاضي خان؛ لأن الدماغ لا مدخل له في السعوط، وأنه مبني على ما يتوهم أن الاستنشاق لما كان تصعيدا ظن أنه يمر إلى الدماغ مع أن قنواته تنزل إلى الحلق.

المالكية: يرون أن مرور المائع من الحلق عبر الأنف موجب للفطر.

قال اللخمي: يمنع الاستعاط لأنه منفذ متسع، ولا ينفك المستعط من وصول ذلك إلى حلقه، ولم يختلف في وقوع الفطر. (٤)

ولم أجد تفصيلا في كتب المالكية ولا اختلافا إلا في اعتبار منفذ الأنف أهو واسع كما نص اللخمي وابن عبد السلام، أو هو ضيق وهو ما تفرد به الخرشي. (٥)

وأما لو دهن داخل أنفه بدواء لا ينفذ إلى الحلق، فهو كمن لا يتجاوز الماء فمه؛ لأن تعليلهم للفطر بالسُّعوط ظاهر في الذي ينفذ إلى الداخل.

الشافعية: يرون أن السعوط أن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف، قال في المجموع: " قال أصحابنا: ما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر، فداخل الأنف إلى الخيشوم له حكم الظاهر ". (٦)

وذكر الشيخ الشربيني: أن الاستعاط مفطرٌ سواء اشترطنا أن يصل إلى الجوف الذي فيه قوة تحيل الدواء أو لم نشترط ذلك؛ لأن الاستعاط يصل إلى باطن الدماغ الذي فيه قوة (٧)

الحنابلة: يرون أن السعوط مفطر، لأنه يصل إلى الدماغ: " يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في بدنه، كدماغه وحلقه، إذا وصل باختياره وأمكن التحرز منه، وصل من الفم أو غيره كالسعوط، والدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كالواصل إلى الحلق ". (٨)

الاتفاق بين المذاهب الأربعة أن السعوط إذا تجاوز الأنف مفطر، إلا أن الحنفية عللوا الفطر بنفاذه إلى المريء، والشافعية والحنابلة بصعوده إلى الدماغ، والعلم التجريبي يؤيد وجهة النظر الأولى، وأن القوة المودعة في جسم الإنسان التي تحيل الداخل ليست في الدماغ قطعا.

إدخال الدواء عبر الأنف سواء أكان مائعًا أم غبارًا أم دخانًا أم بخارًا؛ مفطر، وأما إدخال أنبوب لإخراج إفرازات المعدة؛ فغير مفطر إلا على رأي الشافعية.


(١) انظر: المفطرات في مجال التداوي، ص ١٣
(٢) البحر: ٢/ ٢٩٩ -٣٥٠
(٣) حاشية ابن عابدين: ٢/ ١٠٢
(٤) مواهب الجليل: ٢/ ٤٢٥
(٥) شرح الخرشي: ٢/ ٢٤٩؛ وشرح ابن عبد السلام: ١/ ٣٢٣؛ مخطوطة بتركيا
(٦) المجموع: ٦/ ٣١٣
(٧) مغني المحتاج: ١/ ٤٢٨
(٨) المغني: ٤/ ٣٥٢ -٣٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>