للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ننتقل إلى معالي الدكتور الألفي فهو أَوَّلَ - وشكرًا له - أن الدماغ مقصود به عند الفقهاء حد البلعوم. وأنا حسب علمي وحسب تتبعي للفقه الإسلامي ما وجدت أن الفقهاء يطلقون الدماغ على كامل الرأس، ولكنهم يقولون: دماغ، وهو الجمجمة وما حولها، ويطلقون الرأس على العنق فما فوق. فهما أمران مختلفان فلذلك ما وجدت بتتبعي وفيما علمته إطلاق الدماغ على الرأس كله. ثم أتى بأن الاستشهاد بكلام ابن حزم، وقال: إما أن نأخذ بكل ما قال أو نترك كل ما قال. هذه قاعدة لا أستطيع قبولها لأن الالتزام أو الأخذ برأي مجتهد في قضية لا يقتضي ذلك الأخذ بكل ما قال، لكن ابن حزم إذا كان بنى آراءه على قاعدة أساسية نحن لا نؤمن بها فلا يصح لنا أن نأخذ بأي قول من أقواله، ذلك أن ابن حزم عندما بنى أقواله على نفي القياس ونحن نقول بالقياس فمعنى ذلك أننا نوافقه تفريعًا ونخالفه تأصيلًا، وهذا كمنهج علمي غير مقبول، فنحن فيما اعتمد فيه ابن حزم النظر في النص وما أخذه من النص نأخذ منه ونرد، وأما ما اعتمد فيه في نفي القياس وأجراه على الإباحة الأصلية فهذا ما نخالفه فيه تأصيلًا فنخالفه فيه تفريعًا.

ثم قضية التدخين السلبي ومعنى التدخين السلبي أي هو وجوده في مكان فيه تدخين، هذا ما أظن أن الفقهاء كلهم قد اتفقوا على أن الداخل من هذا النوع سواء كان غبارًا أو دخانًا أو غيره هو لا يضر الصائم.

فضيلة الشيخ تقي العثماني - جزاه الله خيرًا - قسم الموضوع إلى قسمين، إلى أن هناك نزاع لا يدخل ولا أثر للنظر الطبي فيها، وهناك نواح للنظر الطبي أثر فيها. وكلامه حسب ما ينبغي أن أفهمه منه لمكانته العلمية هو أنه ما كان من تحقيق بيان الحرمة وبيان الحل هذا ليس هو مجال الأطباء إلا إذا كان بعضهم من الفقهاء، وعندنا بحمد الله في تاريخ الفقه الإسلامي من جمع بين الفقه والطب وما يزال يوجد إلى الآن، والحمد لله، ولا يضيق على أحد أنه يقال إنه ليس من أهل هذا الفن , كما أننا نحن ننظر في الطب ولكن ليس لنا قول فيه , فإذا كقاعدة أنه لا أثر للنظر الطبي إن كان من حيث الحكم الشرعي، وبيان الحكم الشرعي بالاستنباط، فالاستنباط إنما هو لأهله , وأما إذا كان لبيان الواقع - وهو ما أفهمه من كلامه - فإنه لا شك أن بيان الواقع هو للأطباء وعلى كلام الأطباء , وبناء على نصوص الشارع نأخذ ونحكم.

ورجح فضيلته أن ما يدخل العين أو هو يتسرب من المسام - الفتحات الصغيرة - ولا يصل. في الحقيقة هذا هو من باب تحقيق المناط، هل فعلًا أنه لا يصل؟ أظن أنه بإجماع الأطباء أن الذوق خلق الله له مكانًا خاصًّا في اللسان إذا لم يصل إليه فلا يتذوق الإنسان. فدعوى أن قطرة العين لا تصل إلى الحلق كلام غير صحيح بناء على كلام الأطباء، لأنهم قالوا: إنه نجد فعلًا أن الإنسان يقطر في عينه فيجد طعم القطرة في لسانه، وهو طرف اللسان من الداخل، وما يمنعها من الدخول فيما بعد؟ فلذلك كون تتشربها المسام من باب تحقيق المناط فهو غير صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>