للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذا، قياس المرض على السفر عند ابن سيرين، وأن ابن سيرين إنما قال بالنص. مرد هذا أن كلمة قياس لم تفهم , من نظر في كتب الفقهاء قديمهم وحديثهم يقولون هذا: ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس. وخصص ابن قيم الجوزية رضي الله تعالى عنه في كتابه ما جاء في الشريعة على خلاف القياس، وبين أنه لا يوجد في الشريعة شيء على خلاف القياس. فعندما قلت: قياسًا، فأنا أقصد هذا المعنى: أن الشريعة تسير على نمط واحد، فابن سيرين جعل السفر وجعل الفطر لوجع الأصبع هما نمط واحد، فبينت له الخلاف بينهما، وأن النمطية الواحدة تقتضي ألا يكون وجع الأصبع كالسفر، وبينت أن السفر ربط بأصل السفر وجدت مشقة أو لا، لأنه هو الأمر الذي جعله الشارع مناطًا، أما بالنسبة للمرض فإنما هي المشقة التي دعت إلى ذلك.

هو لم يرض فيما ذهب إليه الشاطبي في تحديد الرخصة، وذكر أن التعاريف يجب أن تكون محددة. أنا ذكرت في بحثي أن أحد كبار العلماء وأحد أذكيائهم ومعروف بذكائه ونباهته وإدراكه لتفاريع الشريعة ثم ضبطها الضبط المحكم هو الإمام القرافي، ولا يوجد فيما أظن فقيه لا يعود إليه سواء أكان تابعًا لمذهبه أم غير تابع، والرجل - كما تعلمون - هو رجل جمع إلى ذكائه العلمي إتقانه البعيد في علوم الحيل وفي إخراج أشياء عجيبة جدًّا ذكرها في شرحه على المحصول، ولولا الإطالة لدخلت في ذلك. فالإمام القرافي قال: " إنني عجزت عن إعطاء حد للرخصة جامع مانع، وبحثت فلم أجد في كل كلام من تقدمني أنه وفق لذلك ". وأن الشاطبي باعتماده مقاصد الشريعة حاول هذه المحاولة وأتيت بكلامه وأنا أرتضيه. ثم أذكر بأمر وهو أن التعاريف عند الفقهاء وعند الأصوليين هناك حد وهناك رسم، ومعظم ماجاء في كلام الفقهاء وما جاء في كلام الأصوليين إنما هي رسوم لاحدود، ويكتفون بذلك باعتبار أنها مقربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>