للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حكم هذه الزيادات المشروطة على القرض من قبل مصدر البطاقة فإنها محرمة من الناحية الشرعية لسببين رئيسين.

السبب الأول: أن هذه الزيادات المفروضة على مقدار القرض بخاصة مقابل التأجيل تمثل حقيقة (ربا النسيئة) التي أجمعت الأمة الإسلامية على تحريمه دون خلاف، وهو ما يسمى (ربا الجاهلية) ، حيث تضاف زيادة إلى مقدار القرض من أجل تأجيل الدفع، فهو المعني بالآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) } . [آل عمران: ١٣٠ - ١٣١]

قال أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي في تفسيرها: " الربا هو الزيادة، وهو مأخوذ من رَبا يربو إذا نما وزاد على ما كان، وغالبه ما كانت العرب تفعله من قولها للغريم: أتقضي، أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال، ويصبر الطالب عليه ". (١)

كما يذكر الإمام مجاهد رحمه الله في سبب نزول هذه الآية: " كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حل زادوا في الثمن على أن يؤخروا، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} .

قلت: وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي، لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم، فأمرهم بترك الربا، لأنه كان معمولًا به عندهم ". (٢)

أما موقف علماء الأمة وفقهائها من هذا النوع من الربا فيعبر عنه الإمام أبو الحسن الماوردي بقوله: " قد أجمع المسلمون على تحريم الربا، وإن اختلفوا في فروعه، وكيفية تحريمه، حتى قيل: إن الله تعالى ما أحل الزنا والربا في شريعة قطّ، وهو معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [النساء: ١٦١] . يعني في الكتب السالفة. إن تحريم الربا من كتاب الله تعالى إنما يتناول معهود الجاهلية من الربا في النَّساء، وطلب الفضل بزيادة الأجل، ثم وردت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادة الربا في النقد، فاقترنت بما تضمنه التنزيل ". (٣)

السبب الثاني: أنها تدخل في عموم الحديث الشريف الذي رواه الإمام علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل قرض جر نفعًا فهو ربا " (٤)

تواترت الأحاديث والآثار على هذا المعنى، فأصبح تحريم اشتراط المنفعة للمقرض في أي شكل وصورة من المسلمات في الفقه الإسلامي، و " أن السلف إذا جر منفعة لغير المقترض فإنه لا يجوز، سواء جر نفعًا للمقرض، أو غيره ". (٥)

إن اشتراط أي نفع لصالح المقرض يُخرج عقد القرض أن يكون (عقد إرفاق وقربة) " فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة ". (٦)


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الطبعة الأولى، تحقيق: الرحالي الفاروق وآخرين، (قطر. على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام ١٣٩٨ هـ/ ١٩٧٧) ، ج ٢، ص ٤٧٨
(٢) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي) ، ج٢، ص ٢٠٢
(٣) الحاوي الكبير، الطبعة الأولى، تحقيق ياسين ناصر محمود الخطيب وآخرين، (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، عام ١٤١٤ هـ/ ١٩٩٤ م) ، ج ٦، ص ٨٤
(٤) العسقلاني، ابن حجر، بلوغ المرام مع شرحه سبل السلام، (مصر: مطبعة الاستقامة) ، ج ٣، ص ٣٠؛ رُوي هذا الحديث مرفوعًا بهذا اللفظ عند ابن حجر، لكن في إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، قال عمر بن زيد في المغني الم يصح فيه شيء) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله ابن سلام وابن عباس موقوفا عليهم ". الشوكاني، محمد، نيل الأوطار، الطبعة الأولى، ضبط محمد سالم هاشم، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام ١٤١٥ هـ) ، ج ٥، ص ٢٧٤
(٥) الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد، مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة السعادة، عام ١٣٢٩ هـ) ، ج ٤، ص ٥٤٦. ينظر هذا الموضوع بتفصيل في كتاب (عقد القرض في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة مع القانون الوضعي) للقاضي الأستاذ الدكتور علاء الدين خروفة، الطبعة الأولى، (بيروت: مؤسسة نوفل، عام ١٩٨٢ م) ، ص ٢٤٧
(٦) البهوتي، كشاف القناع، ج ٣، ص ٣١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>