للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوازل عند فقهاء الحنابلة

الفتوى في الحادثة التي ليس فيها قول لأحد العلماء:

قال ابن القيم: إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد العلماء، فهل يجوز الاجتهاد فيها بالإفتاء والحكم أم لا؟

يجوز، وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يسألون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر)) (١) . وهذا يعم ما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قول من قبله، وما عرف فيه أقوال واجتهد فيه الصواب منها وعلى هذا درج السلف والخلف.

والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث ... وأنت إذا تأملت الوقائع لرأيت مسائل كثيرة واقعة وهي غير منقولة، ولا يعرف فيها كلام لأئمة المذاهب ولا لأتباعهم.

والحق: أن ذلك يجوز – بل يستحب أو يجب – عند الحاجة وأهلية المفتي والحاكم (٢) .

وقال ابن القيم: ما يصنع المفتي إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى؟

إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى، فإن ذكرها وذكر مستندها ولم يتجدد له ما يوجب تغير اجتهاده، أفتى بها من غير نظر ولا اجتهاد.

وإن ذكرها ونسي مستندها فهل له أن يفتي بها دون تجديد نظر واجتهاد؟

فيها وجهان: لأصحاب الإمام أحمد والشافعي: أحدهما: لا يلزم تجديد النظر، وجهه: لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وإن ظهر له ما يغير اجتهاده لم يجز له البقاء على القول الأول، ولا يجب عليه نقضه، ولا يكن اختلافه مع نفسه فادحاً في علمه، بل هذا من كمال علمه، ولأجل هذا خرج عن الأئمة في المسألة قولان فأكثر (٣) .

* * *


(١) أخرجه الدارقطني بهذا اللفظ عن عمرو بن العاص (٢٢) ؛ كتاب الأقضية والأحكام: ٢ / ٢٢١؛ وبنحوه مسلم رقم (١٧١٦) ؛ كتاب الأقضية.
(٢) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٤ / ٤٨٦.
(٣) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٤ / ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>