للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليكن ما كان لا يدخل في حقيقته شيء من الألوان من الحمرة والصفرة والبياض، ولا الطلوع والزوال والعشي والغروب، ولا يتوقف على وجودها، وإنما هي أعلام معرفات لمضي الأزمان، وانقضاء المقدار المعين من الأوقات يتعرف بها حضور الأوقات التي جعلت بحكم الشرع مداراً لأداء الصلوات ووجوبها، لا ينتفي بانتفائها وانتفاء الأعلام المعرفة بها.

- هذا وإن سبب وجوب الصلوات الخمس. . . النعم المتواردة على التوالي، ولكنها لما كانت غير منضبطة ولا داخلة تحت الإحصاء أديرت الصلوات مع الأوقات، وجعل الطلوع والزوال والغروب والغيبوبة وأمثالها علامات لوجودها، ومعرفات لها، يتمكن بها العامة والخاصة من العلم بحضور الأوقات المعينة للصلوات. .

قلت: وهذا كلام النفيس.

وإن وجوب نفس الصلاة موزعة على أوقاتها من الظهيرة والعشي والمساء والزلفة والصباح بالبرهان القطعي. . . لكن داخله الظن وآراء الناس في بيان أول الوقت وآخره فيما نحن فيه. فإن ذكر غيبوبة الشفق في دخول وقت العشاء؛ إنما ورد في رواية عائشة وأبي موسى وعبد الله بن عمر وأنس وأبي هريرة وبريدة. .

وحديث الإمامة، وهو كما أنه خبر الواحد ظني الثبوت كذلك ظني الدلالة. فلو شرط غيبة الشفق لدخول وقت العشاء، لزم نسخ عمومات الكتاب ومحكمات الأدلة الواردة في إيجاب الصلوات الخمس على كل مؤمن ومؤمنة بالنسبة إلى سكان الأقطار التي لا يغيب فيها الشفق، بخبر الواحد الظني الثبوت والدلالة، أو تخصيصها بغيرهم بهذا الخبر.

ولذلك اختلف في مفاده فقهاء وعلماء الأمة، فإن أصحابنا وسفيان الثوري وأحمد ومالكاً في رواية، والشافعي في قوله القديم؛ ذهبوا إلى أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق مع اختلافهم في الشفق. . . وذهب الأوزاعي وابن المبارك والشافعي في قوله الجديد، ومالك في رواية إلى أن وقت المغرب قدر ما يصلى خمس ركعات متوسطات بوضوء وأذان وإقامة فحسب، ويدخل وقت العشاء بعده.

والشفق: هو البياض عند أبي حنيفة وأحمد بن حنبل والمزني.

والشفق: هو الصفرة فيما اختاره أبو المعالي الجويني، والحمرة عند آخرين.

وذهب أبو سعيد الأصطخري من الشافعية إلى أن آخر وقت العشاء إلى نصف الليل.

وقال الحسن بن زياد: آخر وقت العصر إلى اصفرار الشمس فقط.

ومن ذهب من المخالفين إلى أن وقت الظهر والعصر واحد، وكذا وقت المغرب والعشاء وجواز الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر، ولو كان قطعياً لزمه الإجماع، ولما ساغ هذا الخلاف فيما بين هؤلاء الأئمة العظام والفقهاء الفخار، العارفين بموارد النصوص ومعانيها، ومواقع الإجماع ومبانيها، ولما وقع منهم ذلك وقوعاً متوسعاً شائعاً. .

ولكن المسألة لما كانت في محل الاجتهاد مال هؤلاء إلى هذا، وهؤلاء إلى ذلك، بما لاح لهم من الأمارات الظنية في ترجيح بعض الأدلة على بعض، وحمل غيره إلى ما ترجح عنده بحسب غالب الظن، فصار إلى ما أدى إليه رأي كل واحد منهم مذهباً له، ولمن تابعه من غير تضليل لصاحبه، ولا إسقاط لقوله من الاعتبار، بل أجمعوا على تقرير حكم المجتهد، وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم فإنه دليل شرعي. والمذهب أن العلامات حيثما تحققت يجب مراعاتها، ولا يجوز المساهلة في تحقيقها تحصيلاً لليقين وسلوكاً لطريق الاحتياط، وعملاً بقوله عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) .

فيقدر وقت صلاة المغرب بمدة مغيب الشفق في الأيام الاعتدالية، والأقطار الاستوائية.. . ثم يدخل وقت العشاء إن أمكن ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>