للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فبقدر ما يغيب فيه أسرع من غيبته في هذه الأيام والأقطار، ثم الأسرع فالإسرع، فإن لم يمكن ذلك – بأن لايكون بين غروب الشمس وطلوعها إلا زمان قليل لا يسع التقدير فيه بشيء – فالواجب إذن إيقاع المغرب والعشاء والفجر بين المغرب والطلوع.

فإن لم يكن بينهما مدة يسع فيها تلك الفرائض فيسقط اعتبار العلامات بالكلية ويرجع الأمر إلى التقدير على منوال ما سبق في كل صلاة للضرورة، ويكون أداء لما ثبت فرضيته بالأدلة المطلقة في الوجوب.

وتلخيص البيان: أن كون الأوقات أسباباً لوجوب الصلوات ووجودها مشروط بتحقق العلامات مما لا مساغ له قط، فلا نسلم فقد الأوقات بانتفائها، ولا سقوط الصلوات بفقدانها. وقال: وقد تقرر في مقره أن الأسباب والشرائط إنما تعتبر بحسب الإمكان، ولا يسقط الممكن بسقوط ما ليس بممكن، هذا والله المستعان. . .

وقال: واعلم أنه لو انتفت تلك العلامات المعرفة للمدة الفاصلة بين أوقات الصلوات أصلاً، بأن لا يتحقق غروب الشمس ولا طلوعها مدة مديدة نصف سنة أو أقل. .. بأن تطلع الشمس كما تغرب، فإن مثل هذه المعمورة متحقق لا محال.

وأقصى المنطقة الباردة لا تغرب الشمس أكثر من ستة أشهر، فإنه لا تطلع الشمس فيها ولا تغرب إلا بحركتها الخاصة الشرقية.

وقال: وإذ قد ثبت لنا ذلك ثبوتاً لا مرد له عقلاً بالعلم الضروري، ونقلاً بالخبر المتواتر، بحيث لا يمكن إنكاره إلا من جاهل معاند.

فهل تجب الصلوات الخمس والصوم وسائر العبادات المتعلقة بالأوقات على سكان هذه الأقطار؟

لم يُرَ فيه كلام في كتب المتقدمين، ولم يُروَ فيه خبر عنهم في تصانيف واحد من العلماء الكبار المتبحرين من أهل القرن السادس وبعده؛ في وجوب العشاء والوتر وعدمه على من لم يجد وقتهما. . . بأن لا تتحقق المدة الفاصلة التي هي مدة غروب الشمس في الأيام المعتدلة والأقطار المتوسطة.

- ففي الفتاوى الظهيرية والمضمرات والتتارخانية وغيرها، أفتى الإمام الأجل برهان الدين الكبير في أهل بلد كما تغرب الشمس يطلع الفجر – أن عليهم صلاة العشاء، والصحيح أنه لا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء.

وقال ابن الهمام: وأفتى الإمام البرهان الكبير بوجوبها (١) .

وفي التبيين: شرح الكنز للزيعلي: ذكر المرغيناني أن الشيخ برهان الدين الكبير أفتى بأن عليهم صلاة العشاء.

وقال محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزي في كتاب تنوير الأبصار: وفاقد وقتهما مكلف بهما.

وقال الشيخ سري الدين عبد البر – المعروف بابن الشحنة – في الذخائر الأشرفية: إن الصحيح خلاف ما اختاره صاحب الكنز في هذه المسألة.

وقال في الكنز: إن الفتوى على الوجوب.

وفي المحيط البرهاني: ورد فتوى في زمن الصدر الكبير برهان الأئمة.

وكان فيها: إنا لا نجد وقت العشاء في بلدتنا؛ فإن الشمس كما تغرب يطلع الفجر من الجانب الآخر، هل علينا لصلاة العشاء؟

فكتب في الجواب: إنه ليس عليكم صلاة العشاء، وهكذا كان يعني ظهر الدين المرغيناني (٢) .


(١) شرح فتح القدير: ١ / ٢٢٤.
(٢) البرهاني، المحيط: ١/ ٨٣ مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>