للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولهم: الصحيح أنه لا ينوي القضاء متفرع على وجوب الأداء مع عدم تحقق وقت العشاء، ولا تنافي بين أطراف الكلام أصلاً.

ألا ترى العلامة ابن الهمام رحمه الله تعالى بعد ما بسط الكلام في الوجوب، وزين القول بالسقوط قال: الصحيح أنه لا ينوي القضاء، لفقد وقت الأداء (١) .

ب- نازلة التأمين البحري (السوكرة) :

جاء في تحرير المسألة ما نصه:

قال ابن عابدين: جرت العادة – في زمن المصنف – أن التجار إذا استأجروا مركباً من حربي يدفعون له أجرته، ويدفعون أيضاً مالاً معلوماً لرجل حربي مقيم في بلاده، ويسمى ذلك المال (سوكرة) ، مع أنه مهما هلك من المال الذي في المركب – بحرق أو غرق أو نهب أو غيره – فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذ منهم – ولو وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان – يقبض من التجار مال السوكرة.

وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماماً.

قال ابن عابدين: والذي يظهر لي: أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، ووجه هذا القول لأن هذا التزام ما لا يلزم.

ثم مضى بأسلوب الجدل الفقهي يحرر المسألة بإيراد الاعتراضات المحتملة والرد عليها فقال:

فإن قلت: إن المودع إذا أخذ الأجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت.

قلت: ليست مسألتنا من هذا القبيل – وجهه: لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة بل بيد صاحب المركب. وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيراً مشتركاً، فقد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت والغرق ونحو ذلك.

فإن قلت: لو قال الآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه وأخذ ماله لم يضمن.

ولو قال: إن كان – الطريق – مخوفاً وأخذ مالك فأنا ضامن، بعلة أنه ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصاً. أي بخلاف الأولى فإنه لم ينص على الضمان بقوله: فأنا ضامن.

وفي جامع الفصولين: الأصل أن المغرور إنما يرجع على الغار لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور، فيصار كقول الطحان لرب البر: اجعله في الدلو فجعله فيه، فهذب من النقب إلى الماء – وكان الطحان عالماً به – يضمن إذا غره في ضمن العقد وهو يقتضي السلامة.

قلت: لا بد من مسألة التغرير أن يكون الغار عالماً بالخطر كما يدل عليه مسألة الطحان المذكورة، وأن يكون المغرور غير عالم، إذ لا شك أن رب البر لو كان عالماً بنقب الدلو يكون هو المضيع لماله باختياره، ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم بحصول الغرق هل يكون أم لا؟

- وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار، لأنهم لا يعطون مال السوكرة إلا عند شدة الخوف، طمعاً في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضاً. . .

نعم، قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب، فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة بين حربيين في بلاد الحرب. . . وقد وصل إليه ما لهم برضاهم، فلا مانع من أخذه.

وقد يكون التاجر في بلادهم، فيعقد معهم هناك ويقبض البدل في بلادنا أو بالعكس. .

ولا شك أنه في الأولى: إن حصل بينهما خصام في بلادنا لا يقضي للتاجر بالبدل، وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن هنا يحل له أخذه، لأن العقد الذي صدر في بلادهم لا حكم له، فيكون قد أخذ مال حربي برضاه.

وأما في صورة العكس، بأن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل له أخذه ولو برضى الحربي، لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام فيعتبر حكمها (٢) .


(١) شرح فتح القدير: ١ / ٢٢٤.
(٢) ابن عابدين، الحاشية: ٤ / ١٧٠، باب المستأمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>