للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أصبح كتاب التعارف مادة جيدة – في بابه – لعدد من المؤلفات التالية، مثل كتاب (المصنف) (١) للشيخ أحمد بن عبد الله الكندي (ت ٥٥٧ هـ) ، وكتاب (منهج الطالبين وبلاغ الراغبين) (٢) للشيخ خميس بن سعيد الشقصي) من علماء القرن الحادي عشر الهجري) ، وكتاب (جواهر الآثار) (٣) للشيخ محمد بن عبد الله بن عبيدان (عاش في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر الهجري) .

هذا، وما لبث أن جاء أبو الحسن علي بن محمد البسيوي (توفي في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري) تلميذ ابن بركة فألف كتابه المسمى بـ (مختصر البسيوي) ، الذي كان طرحا جديدا للفقه بشتى أبوابه، إذ كان غاية في الاختصار الذي هو بمنزلة القواعد المبسطة، ونحوه كتاب (مختصر الخصال) لأبي إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي (توفي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري) ، الذي كان مثالا فريدا في تأليفه وحسن عرضه، غير أنه رغم ما فيه من هذه الميزة على مختصر البسيوي – وربما لبعد مؤلفه عن عمان – فإن الأخير صار المرجع في الفتوى في المشرق الإباضي لقرون عديدة، يقول الشيخ صالح بن وضاح المنحي (ت ٨٧٥ هـ) : "حفظنا عن أشياخنا رحمهم الله أن مختصر الشيخ أبي الحسن البسيوي رحمه الله كله عليه العمل إلا ثلاث مسائل " (٤) .

وذكر الشيخ محمد بن علي بن عبد الباقي أن شيخه ابن وضاح زاد مسألة رابعة، أخرجها مما جرى عليه العمل من مختصر البسيوي (٥)

هذا، والظاهر أن العمل على الفتوى بما في مختصر البسيوي قد امتد إلى أبعد من هذه الفترة، فقد أخرج الشيخ صالح بن سعيد الزاملي (من علماء أوائل القرن الحادي عشر الهجري) المسائل الأربع من مختصر البسيوي من كونها معمولا بها، وذلك في جواب سؤال وجه إليه (٦) .

ولا يعني هذا أن كل علماء المذهب الإباضي في المشرق درجوا على اعتماد مختصر البسيوي في استصدار الفتوى وإعطاء الحكم الشرعي فيما يجد من المسائل والنوازل، فقد وجدت مؤلفات عدة طيلة هذه الفترة وظهرت بين الحين والآخر كتب تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا ريب أنها في مسائل عديدة تخالف ما في المختصر وغيره.

على أن ظهور عدد من العلماء المجتهدين يحول دون اعتمادهم في الفتوى على مختصر البسيوي، وكان في ظهورهم السبب المباشر في تغير المنهج في اعتماد عمل معين، وكانوا عاملا فاعلا في حركة الفقه وتطوره، الأمر الذي نتج عنه الجدة في قضية العمل الفقهي، سواء بالموافقة والتأصيل أو بالمخالفة والتغيير، لا سيما إذا علم أن مشهور المذهب عدم جواز تقليد المجتهد غيره (٧) .

ومن أبرز هؤلاء: الشيخ أبو نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت ١٢٣٧ هـ) الملقب بالشيخ الرئيس، وابنه الشيخ ناصر بن جاعد (ت ١٢٦٢هـ) ، والشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (ت ١٢٨٧ هـ) الملقب بالمحقق – وهو تلميذ للشيخ ناصر بن جاعد الخروصي – والشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي (ت ١٣٣٢ هـ) ، والإمام محمد بن عبد الله الخليلي (ت ١٣٧٣ هـ) تلميذ نور الدين وحفيد المحقق الخليلي.


(١) المصنف: ١٨ / ٢٨.
(٢) منهج الطالبين: ١٣ / ١٤١.
(٣) جواهر الآثار: ٢٠ / ٢٥٨.
(٤) إتحاف الأعيان: ١ / ٢٣٠، والمسائل كما ذكرها ابن وضاح هي: الأولى: في الحيض، ذكر في المختصر أن أكثره خمسة عشر يوما، والعمل أن أكثره عشرة. الثانية: عطية الزوجين لبعضهما، ذكر في المختصر أنه إذا أعطى أحد الزوجين صاحبه عطية فردها عليه في الصحة أو في المرض جاز ذلك، والعمل أنه إذا رد عليه العطية في الصحة ثبت ذلك، وأما رده في المرض لا يثبت. الثالثة: هي التي قال فيها: إذا حلف الرجل على زوجته على شيء يمنعها منه مما يجوز منعها عنه فعصته فيه أن لا صداق لها، والعمل على أن لها الصداق؛ انظر إتحاف الأعيان: ١ / ٢٣٠.
(٥) إتحاف الأعيان: ١ / ٢٣٠، والمسألة الرابعة هي: فيمن علم ببيع شفعته بعد موت البائع هل له شفعة إذا طلبها، قال في المختصر: إنها تبطل بموت البائع والمشتري. قال الشيخ ابن وضاح،: وهي لا عمل عليها، والعمل أنها تفوت بموت المشتري أو الشفيع، فأما بموت البائع فلا تبطل الشفعة ولا تفوت إذ ماله سبب، وقد خرجت منه الأسباب لبيعه ماله وخروجه من يده؛ انظر: إتحاف الأعيان: ١ / ٢٣٠.
(٦) إتحاف الأعيان: ١ / ٢٣١.
(٧) مختصر العدل والإنصاف، ص ٤٧؛ طلعة الشمس: ٢ / ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>