للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن لكل من العرف والمصالح المرسلة والاستحسان بروزا في قضية العمل الفقهي.

- العرف:

يمثل العرف عند الإباضية أحد مصادر التشريع التبعية التي لا يستغنى عنها في ضبط كثير من الأحكام الشرعية، لا سيما التي لم ينص عليها نص ولا هي من الإجماع ولا مما يعرف حكمه بالقياس.

وقد أولاه فقهاء الإباضية عناية كبيرة، وما بوب له في كتبهم بالتعارف أو الدلالة شاهد على هذا الاهتمام، وقد عد النور السالمي مسائل التعارف مما يتفرع على قاعدة العادة محكمة (١) ، إذ يعد ذلك من باب التيسير الذي يعد أحد خصائص التشريع الرباني مصداقا لقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وهو بمنزلة ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم من العادات والأعراف التي وجد قومه عليها مما لا يتنافى مع روح الإسلام. ولذا نجد أن كثيرا مما هو معمول به مراعى فيه جانب الأعراف التي هي من هذا القبيل.

غير أن إدراج العرف ضمن المصادر التشريعية مرهون – عند الإباضية كما عند فقهاء المذاهب الأخرى – بألا يكون مما خالف نصا أو أصلا عاما، كما يتبين ذلك من النص الذي أوردناه سابقا عن الشيخ الشقصي.

- المصالح المرسلة:

إن اعتبار الإباضية المصالح المرسلة مصدرا تشريعيا تبعيا يوحي بأن لها دورا في التأثير على نوعية الفتوى الشرعية وفحواها، إذا توافقت الأحكام المبنية عليها مع مصالح الناس، بما يسعفهم على الانضباط مع أهداف الشريعة وغاياتها.

وقد بين الإمام السالمي أن للإباضية اهتماما بالمصالح المرسلة، وأن كثيرا من فروعهم مبني على هذا النوع من الاستدلال (٢) .

وضرب لذلك مثالا: فتوى أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي (ت ٢٧٨ هـ) بحرق منازل القوم الذين دخلوا في طاعة القرامطة، وذلك لما حاربوا القرامطة في عمان لئلا يرجعوا يسكنونها، قال الإمام السالمي: "ولا مستند لأبي المؤثر في هذه المسألة إلا القياس المرسل، وهو النظر في صلاح الإسلام وأهله، حتى لا يكون للقرامطة ملجأ يلجؤون إليه " (٣) .


(١) طلعة الشمس: ٢ / ١٩١.
(٢) طلعة الشمس: ٢ / ١٨٥.
(٣) طلعة الشمس:: ٢ / ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>