للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: "وأنت إذا تأملت مذهب الأصحاب رحمهم الله تعالى وجدتهم يقبلون هذا النوع من المناسب ويعللون به لما دل عليه مجملا، أي وإن لم يدل دليل على اعتباره بعينه أو جنسه، فإن الأدلة الشرعية دالة على اعتبار المصالح المرسلة مطلقا " (١) .

- الاستحسان:

بين الشيخ السالمي أن الاستحسان أحد المصادر المعتبرة في الشرع فبعد أن ذكر الخلاف في قبوله، والخلاف في تعريفه، وذكر أمثلة مما ضربوه للاستحسان قال: "وبعض هذه المسائل موجودة في المذهب على هذا الحال الذي ذكروه، والبعض الآخر يقبله المذهب لوجود نظائره فيه " (٢) .

وقال الشيخ خلفان بن جميل السيابي (ت ١٣٩٣ هـ) : "وفي فتاوى المذهب ما يدل على الأخذ بالاستحسان عند كثير من علماء الأصحاب " (٣) .

هذا، وإذا عدنا إلى الأمثلة التي ذكرناها سابقا استطعنا الربط بين العمل الفقهي وهذه المصادر التشريعية، فمثلا:

- ما جرى العمل به عند العزابة من أن امرأة تصبح في عصمة نفسها إذا تغيب عنها زوجها أكثر من سنتين، ابتنى العمل على هذا الحكم نظرا إلى الضرر الذي يلحق المرأة من غياب زوجها عنها هذه المدة الطويلة، فالمصلحة داعية إلى رفع الضرر عنها، وجعل الأمر بيدها، إن شاءت فسخت عقدة النكاح وإن شاءت أبقت عليه، فالمصلحة الشرعية هي الداعية إلى سن هذا العرف الفقهي.

- أما عدم الرفع والضم فهو مبني على الحديث الذي رواه الإمام الربيع مرفوعا: "كأني بقوم يأتون من بعدي يرفعون أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس " (٤) .

وقد جرى العمل عند الإباضية على عدم الرفع والضم، استنادا إلى هذا الحديث، وإلى أخذ الإمام جابر بن زيد من عدد جم من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ورد عنه قوله:

"أدركت سبعين بدريا فحويت ما عندهم إلا البحر "يعني ابن عباس، فهو بمنزلة العمل الفقهي، أو الإجماع العملي الذي استمر واستقر عليه العمل، وهذه المسألة أشبه بمسألة عمل أهل المدينة.

- أما نظام العزابة فإن معرفتنا بسبب تأسيسه يرجح أن جانب المصلحة اقتضت – من وجهة أنظار مؤسسيه – وجوده حفاظا على كيان الإباضية، إذ لم يتمكنوا في المغرب العربي من إقامة إمامة إسلامية تحكم بالقسط وتقسم بالعدل، لا سيما في ظل الدولة الجائرة التي كانت تحكم السيطرة على مناوئيها يومئذ، فهو كالبديل لنظام الدولة الإسلامي غير المقدور على تطبيقه، ولهذا ليس لنظام العزابة وجود عند إباضية عمان على مدى فترات تاريخهم، إذا استمر العمل على نصب الخلفاء الشرعيين، وإن النظام القائم على الحكم بشرع الله سبحانه وتعالى، متى ما سنحت الفرصة لذلك.


(١) طلعة الشمس: ٢ / ١٤٣.
(٢) طلعة الشمس: ٢ / ١٨٧
(٣) فصول الأصول، ص ٣٥٥.
(٤) الجامع الصحيح حديث رقم (٢١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>