للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الآن عندما نتكلم عن النوازل لابد أن نتكلم عن التخريج. وبالمنسابة إذا رجعنا إلى كتب الأئمة وإلى التخريج على كتب الأئمة فنحن إنما نقرأ كتب المذاهب. أقول الأئمة والتخريج على أقوالهم ينبغي أن يميز ما بين التخريج وما بين أقوال الأئمة. ثم هنالك أمر، الحقيقة أن التخريج بالذات – وهو الذي أشرنا إليه في البحث – يختلف عن الاستنباط، لأن الاستنباط هو استفادة الحكم من الدليل من الكتاب والسنة من الأدلة الأصلية، أما استفادة الحكم من مقتضى أقوال الأئمة فهو يسمى التخريج ليميزوا بين نوعين من الاستنباط، وهذا شيء ربما ذكرنا فيه كثيرا.

الآن الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه يا ترى لا نقول من له حق التخريج، ولكن هنالك سؤال كبير: هل التخريج على قواعد الإمام بمثابة قول الإمام؟ الحقيقة هذا الذي ينبغي أن يذكر، أنا قد أشرت إليه في بحثي، ومر العارض – جزاه الله خيرا – بسرعة عليه.

قال الزركشي من الشافعية: إذا لم يعرف للمجتهد قول في المسألة، لكن له قول في نظيرها ولم يعلم بينهما فرق فهو القول المخرج فيها. ولا يجوز التخريج حيث أمكن الفرق كما قال ابن كج والماوردي وغيرهما. وأشار الشيخ أبو إسحاق في التبصرة إلى خلاف فيه فقال: لا يجوز على الصحيح ثم قال: لا يجوز أن ينسب للشافعي ما يتخرج على قوله فيجعل قولا له على الأصح بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب. وقال صاحب الكنز من الحنفية: ويبطل الحد بموت المقذوف لا بالرجوع والعفو. وقال الشارح: أي يبطل الحد لأنه لا يورث عندنا، ولا خلاف في أنه فيه حق الشرع وحق العبد، فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف.

وقال ابن تيمية من الحنابلة: والفقهاء من أصحابنا وغيرهم إذا خرجوا على قول عالم لوازم قوله وقياسه، فإما ألا يكون نص عليه ذلك لا بنفي ولا بإثبات، فإذا نص على نفي فإما أن ينص على لزومه أو لم ينص، إذا كان قد نص على نفي ذلك اللازم وخرجوا عنه خلاف المنصوص عليه إلى آخره.

والتحقيق أن هذا قياس قوله، ولازم قوله فليس بمنزلة المذهب المنصوص عنه، ولا أيضا ما ليس بلازم قوله بل هو منزلة بين المنزلتين، هذا حيث أمكن ألا يلازمه.

وقال الطوفي: إذا نص المجتهد على حكم مسألة لعلة بينها فمذهبه في كل مسألة وجدت فيها تلك العلة كمذهبه فيها، لأن الحكم يتبع العلة فيوجد حيث وجدت.

وبالجملة يا ترى إذا نص المجتهد على حكم مسألة ولم يبين العلة فلا يحكم بحكم تلك المسألة في غيرها من المسائل وإن أشبهتها – يعني المسألة المنصوص عليها وغيرها – في الصورة. وجهة لأن ذلك إثبات مذهب له بالقياس بغير جامع، ولجواز ظهور الفرق للمجتهد لو عرضت عليه لجاز أن يظهر له الفرق بينهما فيثبت الحكم فيما نص عليه دون غيره.

وبالجملة في الحقيقة إن كل مسألة الآن مستجدة هي تعتبر نازلة، ولكن ربما ما فاتنا ونستدركه في نهاية هذا المؤتمر المبارك، هل يمكن أن نخرج على غير مذهب في وقت واحد أم لا؟ يعني هو ما أشير إليه بالتلفيق بين المذاهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>