للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* * *

المبحث الثالث

آداب الحوار

للحوار آداب لابد من الالتزام بها حتى يكون مثمرًا وبناء، وإلا كان عقيمًا وهادمًا، وهذه الآداب هي:

١ - التقوى: وذلك أن يجعل كل محاور تقوى الله نصب عينيه، فيراقبه في كل بنت شفة يلفظها، فلا يقول إلا حقًّا، ولا ينطق إلا صدقًا متثبتًا من الدليل، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] .

يقول الإمام الجويني: (والمحافظة على تقوى الله في نظره يغنيه عن كثير من النصيحة، ويبلغه إلى أسهل الطرق في الهداية إلى الحق) (١) .

٢ - الإخلاص: وذلك بأن يخلص النية في جداله وحواره، ويكون قصده في ذلك التقرب إلى الله تعالى، وطلب مرضاته في امتثال أمره فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الحق وإزهاق الباطل، فلا يقصد المباهاة وطلب الجاه والرياء، ولا يكون قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر؛ فإن ذلك من دأب الأنعام (٢) .

٣ - الوقار والحلم: وذلك بأن يكون كل محاور وقورًا حليمًا من غير تعبيس ولا تقطيب، ولا يجازي السفيه على أقاويله بأمثالها (٣) .

وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء))

(٤)

٢، وروي عن أبي عبد الله الجدلي أنه قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ((لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح))

(٥) .


(١) الكافية في الجدل، ٥٤١.
(٢) الجويني، الكافية في الجدل، ص٥٢٩.
(٣) السعدي، قاموس الشريعة: ٣/٧.
(٤) أبو داود، سنن، ونص الحديث رقم ٣١٥٧: حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا عبد الله بن داود، سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له مَن في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .
(٥) رواه الترمذي، رقم ١٩٣٩، وقال هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>