للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل توافقون على أن من أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها؟

على فرض عدم الموافقة على ذلك؛ فما هو الأمر الآخر الموجب للتفرق؟

على فرض الموافقة، فهل يمكن توحيدها، والجمع بين أقوالها المتباينة، وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد من كل شيء؟

على فرض عدم إمكان التوحيد؛ فما الأمر القوي المانع منه في نظركم، وهل لإزالته من وجه؟

على فرض إمكان التوحيد، فأي طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة، وأي بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر، وفي كم سنة ينتج، وكم يلزم له من المال تقريبًا؟

كيف يكون العمل فيه؟ وعلى كل حال ما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعًا وسياسة.. مسلح أم مفسد؟)

أجابه الشيخ العلامة السالمي بما نصه: (الجواب: قد نظرنا في الجامعة الإسلامية فإذا فيها كشف الغطاء من حقيقة الواقع، فلله ذلك الفكر المبدي لتلك الحقائق.

نعم، نوافق على أن منشأ التشتت هو اختلاف المذاهب وتشعب الآراء، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة اقتضاه نظرك الواسع في بيان الجامعة الإسلامية، وللتفرق أسباب أخرى منها: التحاسد والتباغض، والتكالب على الحظوظ العاجلة، ومنها: طلب الرئاسة والاستبداد بالأمر، وهذا هو السبب الذي نشأ عنه افتراق الصحابة في أول الأمر في أيام علي ومعاوية؛ ثم نشأ عنه الاختلاف في المذاهب، وجمع الأمة بعد تشعب الخلاف ممكن عقلًا مستحيل عادة، وإذا أراد الله أمرًا كان: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٦٣] ، والساعي في الجمع مصلح لا محالة، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية، ويحثهم على التسمي بالإسلام، فإن الدين عند الله الإسلام، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه، ويكون الحق أو لا عند آحاد الرجال، ثم يظهر شيئًا فشيئًا فيصير الناس إخوانًا، ومن ضل فإنما يضل على نفسه، ولو استجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع في الناس قبوله، وكفيتم مؤونة المغرم، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسير والمغرم ثقيل، وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي، ومتردد الملائكة، ومقصد الخاص والعام، حرم الله الآمن؛ لأنه مرجع الكل، وليس لنا إلا الإسلام، فمن ثم تجدنا نقبل ممن جاء به وإن كان بغيضًا، ونرد الباطل على من جاء به وإن كان حبيبًا، ونعرف الرجال بالحق؛ فالكبير معنا من وافقه، والصغير من خالفه ... إلخ) (١) .


(١) السالمي، محمد، نهضة الأعيان، ص١٠٣ - ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>