للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغ الاشتراط معهم زيادة، وهم حفاظ فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره (١) .

ثم قال: (وما جنح إليه المصنف من تجريح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث؛ لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات، وهو شرط الاضطراب الذي يرويه الخبر، وهو مفقود هنا مع إمكان التجريح) (٢) .

وبعد شرح الحديث قال:

(وما جنح إليه البخاري من الترجيح أقعد، وبالرجوع إلى التحقيق أسعد، فليعتمد ذلك، وبالله التوفيق) (٣) .

ويبقى من الجماعة ابن ماجة، وقد ذكر رواية واحدة لم يذكر فيها الشرط، وهي تتفق مع الرواية الأخيرة للنسائي في أن الراوي عن جابر هو أبو نضرة، وقريبة منها في المعنى (٤) .

والحديث الثاني وهو حديث بريرة: متفق على صحته أيضًا، وهو مشهور عالي الإسناد، رواه مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن خالته عائشة أم المؤمنين، كما رواه بالسلسلة الذهبية، وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما.

وروايات الحديث تبين أن بريرة كاتبت أهلها، وجاءت إلى أم المؤمنين تستعينها في كتابتها، فرأت أن تشتري بريرة فتعقتها فيكون لها الولاء، فأبى أهلها إلا أن يكون الولاء لهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن اعتق)) ، وفي رواية: ((لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن اعتق)) ، وفي أخرى: ((اشتريها وأعتيقها)) , وفي بعض الروايات: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل)) (٥) .


(١) فتح الباري: ٥ / ٣١٨.
(٢) المرجع السابق: ٥ / ٣١٨.
(٣) ٥ / ٣٢١، علمًا بأن ابن حجر شافعي المذهب، فخالف الإمام الشافعي، ولم يسلك مسلك الطحاوي الذي جنح إلى تصحيح الاشتراط لكن تأوله بأن البيع المذكور لم يكن على الحقيقة! ورده القرطبي بأنه دعوى مجردة وتغيير وتحريف لا تأويل. (انظر فتح الباري: ٥ / ٣١٨، ٣١٩؛ وانظر شرح معاني الآثار للطحاوي: ٤ / ٤١، ٤٢، والرواية التي ذكرها فيها: فبعته بأوقية، واستثنيت حملانه حتى أقدم على أهلي، ومع ذلك قال ما قال لينتهي إلى ترجيح رأي الحنفية.
(٤) انظر سنن ابن ماجة: ٢ / ٧٤٣. كتاب التجارات، باب السوم، ح ٢٢٠٥؛ والبيهقي ذكر من الروايات المختلفة ما جاء فيها الشرط وما لم يجئ ثم قال: (وبعض هذه الألفاظ تدل على أن ذلك كان شرطًا في البيع، وبعضها يدل على أن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم تفضلًا وتكرما ومعروفًا بعد البيع والله أعلم) . السنن الكبرى: ٥ / ٣٣٧.
(٥) راجع روايات الحديث وشروحها في الكتب التالية: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: ٣ / ٣٧٣ – ٣٨١. وفتح الباري: ٥ / ١٨٥ –١٩٦؛ وفي مواضع أخرى منها: ٥ / ٣٢٤، ٤ / ٣٦٩، ٣٧٠، ٣٧٩. وصحيح مسلم بشرح النووي: ٥ / ٣٩٧ – ٤٠٦. وسنن النسائي بشرح السيوطي: ٧ / ٣٠٥ – ٣٠٦. وفي عون المعبود: ٨ / ٤٣٨. وفي سنن الترمذي: ٣ / ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>