للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي: ولو اشترى دارًا بشرط أن يجعلها وقفًا، فالأصح أن البيع باطل، وقيل: إنه كشرط الإعتاق (١) .

والوقف قد يكون أولى من العتق، فكيف لا يلحق به؟

هذا موقف الشافعية من البيع بشرط العتق، فما موقف الحنابلة؟

معظم كتب الحنابلة تشير إلى روايتين: إحداهما: صحة الشرط، والثانية: الشرط الفاسد.

وبعض الكتب تطلقهما، وبعضها تذكر أن الصحة هي الصحيح والمذهب، وبعضها لا تشير إلى الرواية الثانية (٢) .

والعتق ينافي مقتضى البيع، فلماذا أجازوه؟

ذكر من قبل قول بعض الحنابلة بأن العتق قربة التزامها المشتري فيجبر عليه، وليس معنى ذلك أنهم يجيزون كل قربة، ولذلك نص بعضهم على عدم جواز شرط الوقف (٣) ، وقيل: الوقف كالعتق (٤) .

وذكر ابن قدامة وغيره أن العتق أجيز لأنه مبني على التغليب والسراية، ولذلك لا يلحق به غيره.

وقد بين ابن تيمية فيما سبق أن هذا رأي طائفة من أصحاب أحمد، وأصول أحمد ونصوص تقتضي جواز شرط كل تصرف فيه مقصود صحيح، وإن كان فيه منع من غيره، ثم ذكر استدلاله بالحديث الأول حديث جابر، وهذا الحديث على صحة الشرط الواحد (٥) .

إذن استدلال الإمام أحمد بحديث بريرة ليس على جواز العتق فقط وإنما على جواز الشرط الواحد، وإن كان يتنافى مع مقتضى العقد، غير أنه يتفق مع مقصوده، فمقصود العقد هنا ليس مجرد الملك وكل ما يترتب عليه من آثار، وإنما الملك للعتق.

ووضح ابن تيمية رأي القائلين بالتغليب والسراية فقال: قالوا: وإنما جوزته السنة لأن الشارع له إلى العتق تشوف لا يوجد في غيره، ولذلك أوجب في السراية، مع ما فيه من إخراج ملك الشريك بغير اختياره، وإذا كان مبناه على التغليب والسراية، والنفوذ في ملك الغير، لم يلحق به غيره، فلا يجوز اشتراط غيره (٦) .


(١) انظر روضة الطالبين: ٣ / ٤٠٢ – ٤٠٣.
(٢) راجع ما نقل من كتب الحنابلة في المبحث السابق، وراجع أيضًا الفروع، وتصحيح الفروع: ٤ / ٦٤، ومجلة الأحكام الشرعية: مادة ٢٥٢.
(٣) انظر مثلًا المادة السابقة من مجلة الأحكام الشرعية، والمغنى: ٦ / ٣٢٥؛ ومطالب أولى النهي: ٣ / ٧٤.
(٤) الفروع: ٤ / ٦٤.
(٥) راجع المبحث السابق ومجموع الفتاوى: ٢٩ / ١٦٨ – ١٦٩.
(٦) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>