للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم رد بقوله:

(وأما التفريق بين العتق وغيره بما في العتق من الفضل الذي يتشوفه الشارع: فضعيف؛ فإن بعض أنواع التبرعات أفضل منه) .

وذكر عددًا من هذه الأنواع، ثم قال:

(وأما السراية فإنما كانت لتكميل الحرية. وقد شرع مثل ذلك في الأموال، وهو حق الشفعة، فإنها شرعت لتكميل الملك للشفيع، لما في الشركة من الضرر، ونحن نقول:

شرع ذلك في جميع المشاركات فيمكن الشريك من المقاسمة، فإن أمكن قسمة العين وإلا قسمنا ثمنها إذا طلب أحدهما ذلك.

فتكميل العتق نوع من ذلك؛ إذ الشركة تزول بالقسمة تارة، وبالتكميل أخرى) (١) .

وفي الحديث شرط باطل، وهو شرط الولاء لغير المعتق، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما الولاء لمن أعتق)) .

وبطلان الشرط هنا لمخالفته للشرع وليس لمقتضى العقد، فلو لم يمنعه الشرع لجاز، أو لكان من المسائل الخلافية؛ فهو لا يتنافى مع مقصود العقد.

ولا خلاف حول صحة العقد وبطلان الشرط، ولكن الخلاف فيما يلحق بهذا الشرط، وسبق بيان هذا في المباحث السابقة عند الحديث عن الشروط غير الصحيحة في كل مذهب، وتفسير ابن تيمية لما جاء في هذا الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل)) .

والحديث الثالث: النهي عن الثنيا:

روى مسلم في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا (٢) .

والثنيا هنا ذكرت مطلقة غير مقيدة، أي أن الحديث يتعارض مع حديث جابر: " واستثنيت حملانه إلى المدينة ". وذكر أيضًا أن البخاري روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا، أي أن الحديث متفق عليه. وهذا غير صحيح؛ فالبخاري لم يروه، ولكن جاء في كتاب الشروط باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، وذكر حديثًا واحدًا وهو: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة)) (٣) .

وأما حديث مسلم فقد رواه النسائي؛ وذكر رواية قبل هذه الرواية، ومنها: ((وعن الثنيا إلا أن تعلم)) ، وجعل الروايتين تحت باب " النهي عن الثنيا حتى تعلم " (٤) .

وأبو داود روى الروايتين أيضًا (٥) .

أما الترمذي فلم يرو إلا رواية واحدة، وهي " والثنيا إلا أن تعلم " (٦) .

وهذا يؤيد حديث جابر، فالثنيا كانت معلومة.


(١) راجع المرجع السابق: ٢٩ / ١٧٧ – ١٧٨.
(٢) انظر صحيح مسلم كتاب البيوع باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، وعن المخابرة: ح ٨٥؛ واقرأ شرح النووي: ٥ / ٤٥٩.
(٣) راجع الصحيح، وذكر الباب يدل على جواز الثنيا وليس على النهي، وكذلك الحديث وفي متفاح كنوز السنة في البيوع ذكر النهي عن الثنيا وأشار إلى هذا الموضع من البخاري وباقي الكتب التي روت النهي، وانظر أن ذكر البخاري هنا غير دقيق، ولم يذكر موضعًا آخر. وراجع الثنيا في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي. وفي تحفة الأشراف ذكره رواة الحديث وليس من بينهم البخاري. انظر: ٢ / ١٨٢، ١٨٣، ح ٢٢٦١؛ ص ٢٢٤: ح ٢٤١٤؛ ص ٢٨٩: ح ٢٦٦٦. وانظر تخريج الحديث في المغنى: ٦ / ١٧٢؛ وفيه بيان خطأ ابن قدامة في نسبته للبخاري. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الحديث: ووهم ابن الجوزي فذكر في جامع المسانيد أنه متفق عليه، ولم يذكره البخاري في كتاب الثنيا، انظر تخليص الحبير: ٣ /٥ ح ١١٢٨.
(٤) راجع سنن النسائي، كتاب البيوع، باب ٧٤، ج ٧ / ص ٢٩٦.
(٥) راجع سنن أبي داود كتاب البيوع، باب في المخابرة، ح ٣٣٨٧ – ٣٣٨٨؛ عون المعبود: ٩ / ٢٦٩ –٢٧١.
(٦) وانظر سنن الترمذي: كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن الثنيا: حديث ١٢٩٠؛ وفي التخريج قال محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله: أخرجه البخاري في: ٤٢ كتاب الشرب والمساقاة، ١٧ باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط، حديث ٧٩٤ والحديث الذي أشار إليه فيه بداية الحديث وليس فيه ذكر الثنيا، وهو الذي أراده الترمذي من الباب فسبحان الله! كيف غاب هذا عن العلامة الفذ خادم الكتاب والسنة؟ !

<<  <  ج: ص:  >  >>