للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم في شرحه للحديث:

هذا الحديث أصل من أصول المعاملات، وهو نص في تحريم الحيل الربوية، وقد اشتمل على أربعة أحكام.

الحكم الأول: تحريم الشرطين في البيع، وقد أشكل على أكثر الفقهاء معناه من حيث إن الشرطين إن كانا فاسدين فالواحد حرام، فأي فائدة لذكر الشرطين؟ وإن كانا صحيحين لم يحرما.

فقال ابن المنذر: قال أحمد وإسحاق فيمن اشترى ثوبًا واشترط على البائع حياكته وقاصرته، أو طعامًا واشترط طحنه وحمله: إن شرط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز، وإن شرط شرطين فالبيع باطل.

واستبعد ابن القيم هذا التفسير، وقال: اشتراط منفعة البائع في المبيع إن كان فاسدًا فسد الشرط والشرطان، وإن كان صحيحًا فأي فرق بين منفعة أو منفعتين أو منافع؟ لا سيما والمصححون لهذا الشرط قالوا: هو عقد جمع بيعًا وإجارة، وهما معلومان لم يتضمنا غررًا، فكانا صحيحين، وإذا كان كذلك فما الموجب لفساد الإجارة على منفعتين وصحتها على منفعة؟ وأي فرق بين أن يتشرط على بائع الحطب حمله، أو حمله ونقله، أو حمله وتكسيره؟

وبعد أن استبعد هذا التفسير وغيره قال:

فإذا تبين ضعف هذه الأقوال فالأولى تفسير كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض، فنفسر كلامه بكلامه.

فنقول: نظير هذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة، وعن بيعتين في بيعة.

ووضح ابن القيم أن المراد بالنهي هنا هو مسألة العينة، وأنه هو بعينة الشرطان في بيع، فالشرطان كالصفقتين سواء.

ثم قال:

وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى فتأمل نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر عن بيعتين، وعن سلف وبيع، ورواه احمد، ونهيه في هذا الحديث عن شرطين في بيع، وعن سلف في بيع، فيجمع السلف والبيع مع الشرطين في البيع، مع البيعتين في البيعة.

وسر ذلك: أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا، وهو ذريعة إليه.. . . إلخ (١) .

ومن هذا كله نرى أن الراجح أن النهي عن الشرطين في البيع هو نفسه النهي عن البيعتين في بيعة، والله عز وجل هو الأعلم.


(١) راجع عون المعبود شرح ابن القيم: ٩ / ٤٠٢ – ٤٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>