للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨- حكم الشرط الجزائي:

أرى أن الوفاء بالشرط الجزائي واجب بالضوابط الآتية. فيه سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالوعود والعهود تحقيقا لقوله تعالى: (يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة: ١) ، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) .

لأن مفهوم الضرر عام وشامل لكل ما يتأذى به المرء في جسمه وماله ونفسه وحقوقه الأخرى التي كفلها له الشارع، وهذا يدل على:

١- مشروعية الشرط الجزائي لأن ضمان الأضرار الناشئة عن عدم تنفيذ الالتزامات والعقود أو التأخر فيها، إذا كان مشروعا بدلالة العموم الواردة بالحديث، فإن المتعاقدين إذا اتفقوا على هذا الضمان مسبقا في العقد قبل وقوعه جائز لأنه يوافق الشرع.

٢- إن الضرر الناشئ عن ضياع المصلحة من جراء التأخير في تنفيذ الالتزامات والعقود، كضياع مصلحة محققة لعدم قيام المتعهد بتوريد السلعة في الوقت المحدد، أو عدم الوفاء بالالتزام بشحن وتصدير بضاعة في وقت معين (١) .

٣- بقياس الشرط الجزائي على شرط العربون في الصحة وذلك للتشابه فيما بينهما، فكلاهما يتضمن التزام أحد العاقدين بدفع مبلغ من المال عند عدم تنفيذ العقد جزاء على تقصيره وكلاهما يقصد منه سلامة العقود من التلاعب بها، وحث المتعاقد على التنفيذ، وذلك بتخويفه من مغبة عدم التنفيذ، لأن هذا يعرضه لخسارة العربون الذي دفعه وقت العقد، أو دفع المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي (٢) .

٤- والتعزير بالمال أجازه الكثير من العلماء عملا بالآثار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده فقد هدم عليه الصلاة والسلام مسجد الضرار، وأمر بتحريق المتاع للذي غل من الغنيمة وإضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من التمر والكثر، وفيها إضعاف العزم على كاتم الضالة، ومصادرة عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين، ومنها أنه رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش، قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله – وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب الأمام أحمد – رضي الله عنه – وبعضها شائع في مذهب مالك – رضي الله عنه – (٣) .


(١) الشرط الجزائي، د. الحموي، ص١٧٢، ١٧٣.
(٢) المصدر السابق، ص ١٨٨.
(٣) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام، لمحمد بن فرحون المالكي، طبعة دار الكتب العلمية بلبنان: ٢/٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>