للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما جاءت به ظواهر النصوص ولوائح القوانين، فالقاضي شريح يرشدنا إلى طريق جلي واضح لا لبس فيه وهو الحكم والقضاء بما جاء به الشرط بصرف النظر عن كل المعطيات الأخرى؛ لأن الناس عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا.

لكن يلاحظ بعض رجال القانون أن الاتفاق وإن كان واجب النفاذ حسب نصه فإن ذلك قد يكون سبيلًا لمظلمة تلحق أحد المتعاقدين , هذا يدعو للتثبت وعدم التسرع في الحكم حتى لا نقع في المحظور.

وحق أن العدل والإنصاف غاية كل أفراد البشر وحق أيضًا أن التشريع بني على جلب المصلحة ودرء المفسدة.

والإمام ابن تيمية يشير في رسالته (المظالم المشتركة) إلى أنه من العدل أن يتقاسم الناس المظالم وحرام أن يتنصل أحد منها فيحمل وزرها على سواه (الفتاوى: ٢٨) .

ولما كان العدل أساس العمران فالواجب أن يسمح للقاضي بالتداخل لتحقيق هذا الهدف الأسمى.

ومعالجة الجواب عن هذا التوقف نوضح أن القاضي قد يسمح له بالتأويل والقياس والشرح لكن ليس إزاء النص فالقانون وضع لحماية الناس ورد ألاعيب المحتالين والتشريع الإسلامي حث على سلوك طرق الإثبات بالكتابة ومفاد ذلك أن النصوص لها حرمتها وليس من حق القاضي الإقدام على إلغائها أو تفسيرها تفسيرًا ينافي أهدافها ومراميها.

والناس عند اتفاقاتهم المشروعة التي لا تنافي المقاصد والمبادئ الشرعية والأخلاقية، يضعون لأنفسهم دستورًا يحمون به مصالحهم وحقوقهم وهو دستور يقف في وجه كل متحد له حتى ولو كان بيده ميزان العدالة.

اختلاف النظر بين القوانين:

قد شرحنا سابقًا أن الشرط الجزائي هو تقدير مسبق للضرر الذي يحدث عنه والتعويض عنه بمبلغ معين من حين الاتفاق وحينئذ فلا يسمح للقاضي بإعادة المراجعة والإثبات والتقدير.

وهذا ما ذهب إليه جمهور رجال القانون وشراحه.

والقانون الفرنسي ينص صراحة على ذلك بالفصل (١١٥٢) مدني:

(إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغًا معينًا من المال على سبيل التعويض فلا نقصان أو زيادة) .

وهذا يدل صراحة على أن القاضي لا يتدخل لمعاينة الضرر وجودًا أو عدمًا وإن وجد فلا يطالب بإثباته وتقديره وليس من حقه أن يعدل ما حصل الاتفاق عليه.

يقول فقيه القانون عبد الرزاق السنهوري: وذلك حتى يكون الغرض من الشرط الجزائي منع أي جدل يدور حول وقوع الضرر ومقدار التعويض.

(التعليق آخر الصفحة ٨٥٧: ٢ الوسيط)

هذا وقد كان القانون المصري القديم يتمشى مع ذلك أذ ينص (إذا كان المقدار معينًا في العقد فلا يجوز الحكم بأقل أو أكثر منه) .

إلا أن التقنين الجديد سمح للقاضي بمعاينة الضرر وتقديره ومن ثم مكنه من التعديل فقد خصت (المادة ٢٢٤) مدني (لا يكون التعويض الاتفاقي مستحيلًا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه أو أن الالتزام قد نفذ في جزء منه) .

ومع هذا النص فالقانون المصري يوضح حتى الآن بفصله (١٤٧) مدني (أن العقد شريعة الطرفين المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب يقررها القانون) .

<<  <  ج: ص:  >  >>