للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في البحر: فالحاصل أن المسألة رباعية لأنها: إما أن تستوى في الرواج والمالية معًا، أو تختلف فيهما، أو تسوى في أحدهما دون الآخر، والفساد في صورة واحدة وهو الاستواء في الرواج والاختلاف في المالية، والصحة في ثلاث صور: فيما إذا كان مختلفة في الرواج والمالية، فينصرف إلى الأروج. وفيما إذا كانت مختلفة في الرواج مستوية في المائة، فينصرف إلى الأروج أيضًا. وفيما إذا استوت فيهما، وإنما الاختلاف في الاسم كالمصري فيتخير في دفع أيهما شاء، فلو طلب البائع أحدهما للمشتري أن يدفع غيره لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت. ولذا قلنا: إن النقد لا يتعين في المعاوضات. اهـ.

بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه، وهو أنهم اعتبروا العرف هنا حيث أطلقت الدراهم وبعضها أروج، فصرفوه إلى المتعارف ولم يفسدوا البيع، وهو تخصيص بالعرف القولي، وهو من أفراد ترك الحقيقة.

قال المحقق ابن الهمام في تحرير الأصول: العرف العملي مخصص عند الحنفية خلافًا للشافعية، كحرمة الطعام وعادتهم أكل البر انصرف إليه، وهو - أي قول الحنفية - أوجه. أما التخصيص بالعرف القولي فاتفقا كالدابة عل الحمار، والدراهم على النقد الغالب. انتهى.

قال شارحه ابن أمير حاج: العرف القولي هو أن يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذلك المعنى. اهـ.

وقد شاع في عرف أهل زماننا أنهم يتبايعون بالقرون، وهي عبارة عن قطع معلومة من الفضة، ومنها كبار كل واحد باثنين، ومنها أنصاف وأرباع، والقرش الواحد عبارة عن أربعين مصرية، ولكن الآن غلبت تلك القطع وزادت قيمتها، فصار القرش الواحد بخمسين مصرية، والكبير بمائة مصرية، وبقي عرفهم على إطلاق القرش ويريدون به أربعين مصرية، كما كان في الأصل، ولكن لا يردون عين المصاري، بل يطلقون القروش وقت العقد ويدفعون بمقدار ما سموه في العقد تارة من المصاري، وتارة من غيرها ذهبًا أو فضة، فصار القرش عندهم بيانًا لمقدار الثمن من النقود الرائجة المختلفة المالية، لا لبيان نوعه ولا لبيان جنسه، فيشتري أحدهم بمائة قرش ثوبًا مثلاً، فيدفع مصارى كل قرش بأربعين، أو يدفع من القروش الصحاح أو من الريال أو من الذهب على اختلاف أنواعه بقيمته المعلومة من المصاري. هكذا شاع عرفهم، ولا يفهم أحد منهم أنه إذا اشترى بالقروش أن الواجب عليه دفع عينها، فقد صار ذلك عندهم عرفًا قوليًا فيخصص كما نقلناه عن التحرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>