للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان.

أما الإنسان فإننا لا نستطيع أن ننظر إليه كموجود مادي بحت تصوغه الطبيعة وتشكله البيئة الاجتماعية بكل ما فيه، فكل ما يتضمنه المعنى الإنساني إن هو إلا الانعكاسات الاجتماعية كما يقول دوركهايم، أو الصياغة العقدية كما يؤكدها فرويد، أو المحصول الاجتماعي كما يتصوره ماركس، أو الوجودات الذهنية كما ينقل عن باركلي، أو ما إلى ذلك من تصورات مادية.

إن مثل هذا الموجود لا يمكن الحديث عن حقوقه. وهل هناك مجال للحديث عن حقوق الحديد والخشب والماء؟! ‍

‍إذن علينا قبل كل شيء أن نتصور الإنسان متميزا عن غيره من الأشياء، يتمتع بمخزون خاص ودوافع ذاتية معينة تتطلب بذاتها وفي حد نفسها ظروفا معينة، وتنشد مراحل تكاملية على أساس من مخطط مسبق، وحينئذ يمكن تصور بعض (الثبوتات) = (الحقوق) لمثل هذا الموجود.

وبتعبير مختصر: علينا أن نؤمن بنظرية (الفطرة الإنسانية) أولا ثم نتحدث عن حقوق الإنسان، والعدالة، والحرية، والكرامة، والتساوي، والروح الإنسانية ... وأمثال ذلك.

وإلا فما معنى الحديث عن هذه المفاهيم إذا لم نؤمن بالفطرة بمعناها الإسلامي السامي الشامل للإدراكات البديهية، والتوجيهات العملية الخلقية، والدوافع التكاملية.

"فيجب إذن أن يكون هناك خط فطري وإطار خاص بالإنسان إذا تجاوزه لم يعد إنسانا، حتى تكون هناك تربية، وحتى يصدق التعبير المعروف (اغتراب الإنسان عن ذاته) (١) .

وعليه: فالإنسان الذي يمكن أن نتصور له حقوقا هو الموجود الذي يمتلك بطبيعته عناصر فطرية تولد معه وتبقى معه، وهي تتطلب - في الواقع - مسيرة معينة إذا خرج عنها خرج عنها خرج عن (الصفة الإنسانية) : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: ١٩] {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:١٧٩] .

وإذا عومل معاملة تخالف فطرته كانت تلك الممارسة لا إنسانية، وبهذا نجد فرعون حين استضعف قومه وأفقدهم حقوقهم يقع موقع النقد الإنساني {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:٥٤] ، إذن وزنه الطبيعي وبالتالي حقوقه الطبيعية وأي استخفاف بها ممارسة لا إنسانية.

هذا هو الإنسان كما نعرفه، ولا يمكن لأي لائحة أو إعلان منطقي أن يتحدث عن حقوقه إن لم يقبل هذا التعريف.


(١) في الطريق إلى الله، للكاتب، ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>