للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحور الثاني

الحقوق المدنية والسياسية في الإسلام

تتباهى المؤسسات العلمانية اليوم، وستبقى حسبما يبدو غدًا بما نصت عليه المادة الثانية من البيان العالمي ل حقوق الإنسان، والقائلة على أن جميع الدول تتعهد باحترام وتأمين الحقوق المقررة في العهد الحالي لكافة الأفراد إلى آخر ما نصت عليه تلك المادة.

فإذا ما قارنا هذه المادة مع الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، لوجدنا ما تضمنه البيان المشار إليه ناقصًا في عباراته وأهدافه وأحكامه ودقته وشموليته عن المعاني والمثل التي تضمنتها هذه الآية التي أتى تفصيلها في قول النبي صل الله عليه وسلم: ((الناس سواسية كأسنان المشط)) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى)) . (١)

وذكر الخالق بأصل المساواة في لحظة توجيهية لعباده بضرورة ملازمة التقوى فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١] .

لا مجال للمقارنة بين أحكام أنزلها الله لتلبي مصالح عباده ما بقي منهم أحد على وجه الأرض، وبين أحكام اجتهد الأفراد في إعدادها خدمة لمصالحهم الآنية وتحت وطأة تطورات اجتماعية، وما تلبث أن تتجاوزها تطوراتهم وما سخر الله لهم من أسرار كونه، ثم يستبدلونها بأخرى أكثر استجابة لواقعهم.

ففي إطار استخراج أهم قواعد حقوق الإنسان من أحكام الشريعة الإسلامية، ولو كان للمسلمين حضور في توجيه الرأي العام العالمي، ولو كانت جهات التشريع الدولية تتميز بالحد الأدنى من الإنصاف، لما وجدوا أشمل ولا أدق لمفهوم المساواة من قول الله تعالى في الآية السابقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:١٣] .


(١) رواه الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>