للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عبيد: (والذي عندنا الأخذ بالمذهبين جميعا في الإسقاط والإيجاب، وإن كانا في الظاهر مختلفين، فنقول: إذا كان الدين صحيحا قد علم أنه على رب الأرض فإنه لا صدقه عليه فيها، ولكنها تسقط عنه لدينه، كما قال ابن عمر وطاوس وعطاء، ومكحول، ومع قولهم أيضا إنه موافق لاتباع السنة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء فترد على الفقراء، وهذا الذي عليه دين يحيط بماله ولا مال له، وهو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟ أم كيف يجوز أن يكون غنيا وفقيرا في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين، أحد الأصناف الثمانية، فقد استوجبها من جهتين) .

قال أبو عبيد: (فهذا القول فيه إذا علمت صحة دينه، وإن كان ذلك لا يعلم إلا بقوله لم تقبل دعواه، وأخذت منه الصدقة من الزرع والماشية جميعا كقول ابن شهاب، والأوزاعي، ومالك، ومن قاله من أهل العوالي) .

ومع قولهم أيضا: (إنك إذا صرت إلى النظر وجدته على ما ذهبوا إليه، لأن صدقة الزرع والماشية حق واجب ظاهر قد لزم صاحبه، والدين الذي عليه يدعيه باطن، لا يدري لعله فيه مبطل، فليس بمقبول منه، إنما هذا كرجل وجبت عليه حقوق لقوم فادعى المخرج منها وأداءها إليهم، فلا يصدق على ذلك) .

وهذا أحب إلي من قول أهل العراق، حين شبهوا الماشية بالصامت، فجعلوا القول قوله في دعواه، فكيف يشبهه؟ وهم يقولون في صاحب الماشية: (إنه إذا ادعى أنه قد قسم صدقته في الفقراء أنها لا تجزيه، ولا يصدق على ذلك، وتؤخذ منه ثانية) ، ويقولون: (إن ادعى ذلك في الصامت قبل منه) .

قال أبو عبيد: (فهذان حكمان مختلفان:

فأما الصامت فلا يختلف الناس أن القول قوله في جميع ما ادعى، وذلك أن حكمه ليس إلى السلطان، إنما هو إلى أمانات المسلمين، وصدقة الحرث والماشية إنما هي إلى الأئمة، تؤخذ من الناس على الكره والرضا) (١) . اهـ.


(١) الأموال، ص ٥٠٨- ٥١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>