للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ- القول بأن هناك فارقًا بين المضاربة الثنائية القاصرة على طرفين فقط والمضاربة المشتركة التي يدخلها آلاف من المتعاقدين بما يحتاج الأمر معه إلى تضمين البنوك منعًا من وقوع غبن على العملاء أو تعمد الإهمال من جانب البنوك هو للأسف قول خاطئ لسببين:

١- يتضح من الدفوع التي ساقها صاحب الاقتراح المؤيد لمبدأ فرض الضمان على البنوك الإسلامية أن من أهم مبررات ذلك عنده؛ هو تفادي المشكلات المترتبة على الهيكل الحالي للودائع، والتي من أهمهما التذوق المستمر لأموال العملاء، والخلط بينها بما يؤدي إلى تزايد احتمالات وقوع غبن المودعين. ورغم أنني ـ كما سبق أن أوضحت في المبحث الأول من هذا البحث ـ اتفق تمامًا مع صاحب هذا الرأي، في أن الخلط بين رؤوس الأموال المشتركة في وعاء المضاربة ـ إذا وقع بعد البدء في النشاط ـ متفق على عدم جوازه عند جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلا أنني أضطر إلى التوقف كلية عند الاقتراح الذي يقترحه كعلاج لهذه المشكلة، ووجه الاعتراض في هذا الشأن، هو أنه لا يقدم حلًا للسبب الرئيسي للمشكلة، وإنما يوسع من نطاقهما بإضافة بُعْدٍ جديد لا يترتب عليه إلا التعامل بالربا في الجهاز المصرفي الإسلامي كما سنبينه في الفقرات القادمة بمشيئة الله. والقاعدة الكلية تقول (الضرر لا يزال بمثله) (١) ، فمن الأولى في هذا الشأن ألا يزال الضرر بضرر أعظم منه، كما هو الحال بالنسبة لهذه المشكلة.

٢- إن القول بوجود اختلاف كبير بين حجم وشكل الضمانات التي يتيحها عقد المضاربة في شكله الحالي (المعاصر) بالمقارنة بما يتيحه عقد المضاربة في شكله التقليدي (الموروث من كتب الفقه) ، فيه نظر ويحتاج إلى مزيد من التفصيل، والسبب في ذلك هو أن عقد المضاربة الذي تنشئه البنوك الإسلامية حاليًا مع كل عميل من عملائها هو نفس العقد الذي اعتاد الناس على تحريره منذ القرون الإسلامية الأولى، وليس بأي حال متعدد الأطراف (مشترك) كما يقول د. سامي. ففي جميع الأحوال يحرر العقد بين طرفين اثنين لا ثالث لهما، وهما صاحب رأس المال (المودع) وعامل المضاربة (البنك) أما الشكل المؤسسي والشخصية الاعتبارية التي يتحلى بها أي بنك من البنوك الإسلامية في العصر الحالي، فكما بينت أيضًا في المبحث الأول من البحث، لا قوة على استحداث شروط تناقض مع الأحكام والمقاصد العامة للشريعة، أو تغير من الشروط الأصلية والقواعد الشرعية الموروثة التي تحكم العلاقة بين طرفي عقد المضاربة.

وقد أوضحت أيضًا أن تعدد الشركاء من أصحاب رأس المال في وعاء المضاربة الواحد، لم يكن أمرًا غائبًا على الفقهاء والعلماء الأوائل، ومع ذلك لم يسمح أحد منهم (من المذاهب الأربعة المعتمدة) بفرض الضمان على عامل المضاربة مسبقًا كما يطالب د. سامي حمود.


(١) انظر: الإمام السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>