للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د. إن الاقتراح الخاص بفرض الضمان على البنوك يترتب عليه مشكلتين أساسيتين هما:

* التعامل بالربا في جميع أنشطة هذه البنوك:

وفقًا للتعريفات التي سبقت الإشارة إليها في بداية هذا البحث، فإن ضمان البنك الإسلامي للودائع التي ترد إليه من العملاء يعني ثبات هذه الودائع في ذمته المالية، فتصير دينًا عليه كسائر الديون الأخرى التي تنشغل بها هذه الذمة. وبهذا يخرج من كونه أمانة في يد البنك، ليصبح في حكم القرض، ولذلك فإن الحكم الذي انتهى جمهور العلماء إليه بالنسبة لفرض شرط الضمان على المضارب بصفة عامة، هو إما فساد عقد المضاربة أو فساد ذلك الشرط كما سبق بيانه. ويستحق عامل المضاربة (البنك) في هذه الحالة أجر المثل.

ولكن إذا فرض أن الطرفين (البنك والعميل) استساغا العمل بمبدأ الضمان المقترح، وعمل البنك بهذا المال وحقق منه أربحًا دون وقوع تعدٍّ منه أو تقصير، فإن الربح يطيب له في هذه الحالة بالكامل، وتفسير ذلك هو أن ضمان البنك يفيد تعهده برد أصل رأس المال المستثمر إلى صاحبه في نهاية النشاط، سواء هلك المال أو لم يهلك، بحيث لو هلك المال، هلك على البنك (المضارب) وحيث إن هذا الضمان لم يأت نتيجة إتلاف أو تعد وقع بالفعل، وإنما هو مجرد شرط مسبق يراد به جبر الخسائر حال وقوعها، فإن المال يصبح كما ذكرنا، في حكم القرض، بحيث تنتقل ملكيته إلى البنك فور قبضه، وفي هذه الحالة يفترض استحقاقه (البنك) للربح الناتج عن نشاط المضاربة بالكامل، وفقًا للقاعدة التي تقول: (الخراج بالضمان) ، ووفقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي روته السيدة عائشة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان)) (١) .

ومع ملاحظة أن من الشروط الأساسية المدرجة في أصل عقد المضاربة بين البنك وعملائه، شرطًا يلزم البنك بسداد جزء من الأرباح ـ في حالة تحققها ـ إلى عملائه وفقًا للنسبة المعلنة بين الطرفين، فإنه إذا تم إدراج شرط الضمان في العقد، وحصل العميل، في أي عام من الأعوام، على قدر من الأرباح فوق قيمة وديعته المضمونة في ذمة البنك، أصبحت هذه الوديعة وكأنها قرض جر نفعًا، وهو ما يدخل معاملات البنك في دائرة شبهة الربا.

ويقول ابن المنذر: (أجمعوا على أن المستلف إذا شرط عقد السلف، زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك: أنَّ أخذَهُ الزيادة ربًا) (٢) .

ويقول ابن قدامة: (وقد روي عن أبي بن كعب، وابن عباس، وابن مسعود أنهم نهوا عن فرض جَرَّ منفعةً، ولأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا اشترط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه) (٣) .

• فقد مصداقية العمل المصرفي الإسلامي أمام جمهور المتعاملين مع البنوك الإسلامية، بما قد يتراجع معه موقفها التنافسي أمام عملائها، وبصفة خاصة المسلمين منهم المتمسكين بدينهم:

فالأصل في الأمور أن قيام العمل المصرفي الإسلامي على مبدأ الغنم بالغرم أو بمعنى آخر على المشاركة في الربح أو الخسارة، يمثل سمة تنافسية أساسية ترتكن إليها البنوك الإسلامية في تنافسها مع البنوك التقليدية، وعلى ذلك فإن قبول مبدأ فرض الضمان على البنوك الإسلامية سيؤدي إلى طمس أحد الفروق الجوهرية التي تميز العمل المصرفي الإسلامي، وتوجد نوعًا من التشابه بينه وبين العمل المصرفي التقليدي، بحيث يصعب التفرقة بينهما.


(١) رواه الترمذي (البيوع) ، وقال عنه: حديث صحيح غريب من حديث هشام بن عروة، كما رواه النسائي (البيوع) ، وأبو داود (البيوع) ، وابن ماجه (التجارات) وأحمد (باقي مسند الأنصار) .
(٢) انظر: ابن المنذر، الإجماع، كتاب البيوع، ص ١٢٠.
(٣) ابن قدامة المقدسي، المغني: ٤/ ٢٤٠، وقد روى المعني نفسه الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم. وقد رواه أيضًا الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي بن أبي طالب بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) ، وفي رواية: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) ، وإسناده ساقط، لأن في إسناده سوار بن مصعب الهمذاني وهو متروك، ورغم ما أصاب إسناد هذا الحديث من شوائب إلا أن الأمة قد تلقت معناه بالقبول لتوافقه مع أحكام وقواعد الشريعة، انظر على سبيل المثال: د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي، وأدلته: ٤/ ٧٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>