للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سابعًا: أن كلل الذمم، وذهاب المروءة، وغلبة الجشع والطمع وحب الدنيا والمال، وخفة التدين لدى شريحة غير قليلة من أبناء الأمة في العصر الحاضر وخاصة في عالم المال والأعمال، تجعل من الأمر المشروع إعادة النظر في كثير من الاجتهادات الفقهية التي انبثقت عن واقع ديني وأخلاقي واجتماعي مختلف كان الغالب عليه الالتزام والوقوف عند حد الشرع.

وبناء على هذا، فهل يمكن اليوم الاستناد إلى المصلحة الزمنية والضرورة الواقعية لتقرير القول بأن قبول المضارب المضاربة لأكثر من رب مال في آن واحد من القرائن التي يمكن الارتكاز عليها في تضمينه مال المضاربة في حالة خسارته، لا على أساس أنه أجير مشترك، ولكن على أساس أن ذلك التصرف ذو علاقة وثيقة بالتعدي والتقصير لما ينطوي عليه ذلك التصرف من قرينة توحي عدم الاكتراث والمبالاة اللذين يجب على المضارب الالتزام بهما عند الاستثمار.

فلئن ضمن بعض الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ الأجير المشترك في القرن الأول الهجري، فقد كان ذلك بناء على مصلحة زمنية رآها أمير المؤمنين عندما قال قولته: لا يصلح الناس إلا ذاك، ووجه المصلحة: (. . . أن الناس لهم حاجة إلى الصناع، وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى حد أمرين، إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الأموال، ويقل الاحتراز، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة التضمين) (١) .

انطلاقًا من هذا، فهل يمكن القول بأن ذات المصلحة الزمنية تقتضي اليوم تغليب جانب التضمين على جانب عدم التضمين، كما تقتضي تغليب حالة التعدي والتقصير على حالة عدم التعدي والتقصير، وفي ذلك إصلاح لحالة ارتكاس التدين في النفوس، وتقوية للوازع الديني لدى الناس في هذا العصر؟ .


(١) انظر: الشاطبي، الاعتصام بالكتاب والسنة، القاهرة، المكتبة الكبرى دون تاريخ: ٢/ ١١٩ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>