للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي أهم المسائل التي اعتبرها الدكتور سامي دواعي لاعتماد فكرة المضاربة المشتركة للاسثتمار الجماعي، وبالنظر المتمعن فيها، نجد أن ثمة تركيزًا على المضاربة المقيدة واتخاذها أساسًا للنقد والانتقاد، والحال أن هذه المضاربة إحدى نوعي المضاربة عند الفقهاء، فالمضاربة المطلقة خالية من تقييد رب المال المضارب بالشروط التي أشار إليها الدكتور سامي، مما يجعل حديثه قائمًا على نظرة جزئية لفكرة المضاربة في التفكير الفقهي، وأما مسألتا اقتسام الأرباح وعدم قابلية الخلط المتلاحق للمال، فإنما تعتبران مسائل مختلفا فيها كما ذكر بنفسه، وبالتالي لا يصح الاعتماد على أحد الآراء واتخاذه أساسًا لرفض فكرة المضاربة برمتها، وقد كان قمينًا به الانتهاء إلى ترجيح الآراء الفقهية التي تصلح للاستثمار الجماعي في هذا العصر.

ولهذا فإننا نرى أن المضاربة الموسومة بالمضاربة المشتركة هي التي تستحق في حقيقة الأمر الاستغناء كل الاستثغناء لافتقارها إلى الأسس العلمية المقنعة لقبولها واعتمادها أسلوبًا للاستثمار الجماعي في هذا العصر، ولقد بنينا هذا الرأي على جملة من المنطلقات يحسن بناء إيرادها في النقاط التالية:

أولًا: إن في تقسيم الفقهاء المضاربة إلى مضاربة مطلقة ومضاربة مقيدة ما يكفل تلبية حاجات الاستثمار المالي المعاصر، ويمكن التحقق من ذلك من خلال الوقوف على المعاني التي أعطاها الفقهاء لكلا نوعي المضاربة، فمفهوم المضاربة المطلقة والمقيدة ـ كما يقول الكاساني ـ في كتابه بدائع الصنائع: (. . . أن يدفع المال مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ومن يعامله، والمقيدة أن يعين شيئًا من ذلك. . .) (١) .

ومقتضى هذا التصور أن المضاربة المطلقة هي كل مضاربة لا يشترط فيها رب المال على العامل (= سواء أكان متعددًا أم غير متعدد) الالتزام بعمل معين أو بمكان أو زمان معينين، كما أنه لا يطالبه بالتعامل مع شخص بعينه، وإنما يترك له الخيار في تعيين نوعية التجارة والعمل المناسب لاستثمار مال المضاربة، كما يترك له الخيار في تعيين مكان الاستثمار وزمانه والأشخاص الذين يرغب في التعامل معهم لإنجاح عملية الاستثمار، وقد سميت هذه المضاربة مطلقة لعدم تقييد رب المال تصرف العامل في مال المضاربة بصورة عامة.


(١) انظر: الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (بيروت، دار الكتاب العربي، طبعة عام ١٩٨٢ م) : ٦/ ٨٧ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>