للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: إن أحكام المضاربة في الفقه الإسلامي تختلف اختلافًا جذريًا عن أحكام الإجارة الخاصة والمشتركة، فالإجارة عقد على منفعة، والأجير سواء أكان خاصًا أم عامًا يستحق مقابل العقد أجرًا ثابتًا لا يتأثر بالناتج عن عقد الإجارة وأما المضارب المطلق أو المقيد فإنه لا يتلقى أجرًا ثابتًا، وإنما يكون له نصيب من الربح في حالة تحقيق استرباح لمال المضاربة، ويعني هذا أن لكل واحد منهما ـ المضارب والأجير ـ أحكامه الخاصة به، فليس من المقبول علميًا إلحاق أحدهما بالآخر وخاصة أن كلا العقدين يعتبر عقدًا أصليًا، وبناء على هذا، فلا وجه في اعتبار المضارب مثل الأجير المشترك من أجل إثبات بعض أحكام ذلك الأجير له، فالمضارب شريك لا يعني تعاقده مع رب مال واحد حرمانه حق التعاقد مع أرباب أموال آخرين، بل له أن يعقد ما راق له من عقود مضاربات ومشاركات وسوى ذلك ما لم يكن في ذلك ضرر عليه وعلى المتعاقدين معه. وبناء على هذا، فإن إلحاق المضارب بالأجير الخاص أو المشترك قياس مع الفارق، ولا سداد فيه البتة، بل إن اعتبار المضارب أجيرًا مشتركًا أو خاصًا يعتبر خروجًا بعملية المضاربة من كونها عملية اتفاق وتعاون بين رب مال لا دراية له بالتجارة وسواها وبين عامل متمكن من فهم سبل ومجالات تنمية المال وتثميره. وشتان ما بين التعاون والإيجار وما بين المشاركة والمؤاجرة.

رابعًا: إن حصر وصف (المضارب المشترك) على حالات المضاربة التي يتعدد فيها رب المال دون العامل محل نقد، بل إن اتخاذ تعدد رب المال دون تعدد العامل أساسًا للتقسيم محل انتقاد، ولا يستند إلى منطق علمي سديد، ذلك لأن التعدد في المضاربة لا ينحصر ـ في حقيقة الأمر ـ في رب المال أو في العامل، وإنما يشملهما معًا. وبالتالي، فإن تسمية المضارب مضاربًا مشتركًا في حالة تعدد رب المال، لا يستقيم إلا إذا أوجدنا في المقابل تسمية خاصة لرب المال في حالة تعدد العامل في ماله، فهل يمكن والحال كذلك أن نطلق على رب المال في حالة تعدد العاملين في ماله برب المال المشترك لأن عددًا من العاملين يعملون له في ماله، وماذا عسى أن تكون الأحكام الخاصة به أي برب المال المشترك أسوة بالمضارب المشترك الذي نسجت له أحكام خاصة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>