للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد عرض ابن القيم وجهة نظره أعرب عن كونها منبثقة عن اختيار الخلال وأبي بكر صاحب الخلال وابن المنذر وابن حزم، وكونها مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم (١)

ووصف الشوكاني وجهة نظر ابن القيم هذه معقبًا عليها بقوله: وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة (٢) ووصفها الصنعاني بقوله: هي الأقرب في المسالة (٣) وأنا أقول: إنني منذ اهتممت بهذه المسألة في السنة النبوية نحيت هذا المنحى لموافقته لنصوص الحديث الشريف ومواردها، ولكن قلت لا بد من نص من إمام رواية ودراية فوجدت ضالتي في زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، وناهيك به من إمام.

وبعد عرضي لمناحي الاجتهاد في هذه القضية، وتعلقي بالمنحنى الاجتهادي القيم لابن القيم أفتي السائلين بأن الزوجة التي أسلمت وطمعت في إسلام زوجها الذي ظل كافرًا بعدها بأن لا تمكنه من الوطء ولا تساكنه في خلوة سدا لذرائع الفساد، وهي زوجته ما دامت في العدة، وتدعوه إلى الإسلام، وتكون معه كأم حكيم مع عكرمة كلما دعاها إلى الفراش وهما باليمن تأبى وتقول أنت كافر وأنا مسلمة فقال: إن أمرًا منعك مني لأمر كبير، كما روى ذلك ابن مردويه والدارقطني والحاكم (٤) وإن لم يسلم حتى خرجت من العدة فإن شاءت تزوجت، وإن أحبت انتظرته بشرط عدم ملامسته لها المجمع على تحريمه.

وأما ما جاء في السؤال من قول السائل: ما الحكم إذا لم تطمع في إسلامه ولكنه يحسن معاشرتها فمردود بأنه لا يتصور إسلاميًا حسن معاشرة مع زوج كافر يشرب الخمر، ويأكل الخنزير ويكفر برسولها وبكتابها ويلد أولادًا فيتبعونه في دينه، وتطعمه الحرام وتسقيه، ويقوم عليها والشرع قد قطع ولاية الكافرين على المؤمنين فقال تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} .

وأما إدعاء السائل من خوفها على ضياع الأولاد وانحرافهم فمردود أيضًا لأن مالكًا رضي الله عنه سئل عن زوجين نصرانيين أسلمت الزوجة ولها أولاد منه صغار لمن تكون الأولاد؟ وعلى دين من؟ فأجاب: هل على دين الأب.. وكذلك النصرانية إذا كانت حاملًا فأسلمت، ثم ولدت بعد ما أسلمت أن الولد للأب وهم على دين الأب (٥)

فأي انحراف يزعمه هذا السائل بعد الكفر؟ بهذا أفتي وأسال الله التوفيق للصواب والله أعلم.


(١) زاد المعاد في هدي خير العباد: ٢/ ١٤ – ١٥- ١٦ باختصار وتصرف.
(٢) نيل الأوطار: ٦/ ٣٧٠
(٣) سبل السلام: ٣/ ١٣٤ بتصرف
(٤) الزرقاني: شرحه على الموطأ: ٣/ ١٨٥
(٥) سحنون، المدونة: ٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>