للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: ما دارت حوله كل أحاديث الباب بدون استثناء تقريبًا، وهو أن الأمر يتعلق بقدر الله ومشيئته، ولن يغير العزل أو عدمه من هذا القدر شيئًا، لأن الأسباب ليست هي المنشئة لمسبباتها، وإنما المنشئ والخالق هو الله تعالى، ففي الحديث المتفق عليه، وهو الحديث الوحيد الذي اقتصر عليه مالك في الموطأ في هذا الباب باعتبار أنه جامع، ثم ساق بعده جملة من الآثار تبين اختلاف العمل لدى عدد من الصحابة أنه قال: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله ابن محيريز، أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه، فسألته عن العزل، قال أبو سعيد الخدري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا الفداء، فأردنا أن نعزل، فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟ فسألناه عن ذلك، فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)) (١) .

وفي رواية أحمد لهذا الحديث: ((ما عليكم أن تعزلوا، فإن الله قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة)) ، وفي حديث أنس بن مالك عند الإمام أحمد ما يزيد المسألة تقريرًا وبيانًا، فقد جاء عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله عز وجل منها - أو: لخرج منها - ولد - الشك منه، أي من ثمامة - وليخلقن الله نفسًا هو خالقها " (٢) .

فما عليكم سواء عزلتم أم تركتم، فالله تعالى هو خالق كل نفس هو مقدر أن يخلقها، فليس الماء هو المؤثر وليس المكان الذي يكون فيه الماء هو المؤثر، وليس عند هذا السبب يكون المسبب باطراد، فقد روى أحمد، عن سعيد بن المسيب في غير موضع أنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: ((ليس من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله أن يخلق شيئًا لم يمنعه شيء)) (٣) .

فالخالق والرازق الذي يعلم ما في الأرحام والذي يشاء ويقدر هو الله وحده الذي لا يعارض قدره بعزل ولا بغيره كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في العزل: ((أنت تخلقه؟ أنت ترزقه؟ أقره قراره، فإنما ذلك القدر)) (٤) .


(١) الموطأ: طلاق: (٩٥) (باب ما جاء في العزل) أحمد: ٦٣/٣ البخاري: مغازي: (٣٢) (باب غزوة بنى المصطلق) ، مسلم: طلاق: (١٧) ، أبو داود: نكاح: (٤٨) ، (باب ما جاء في العزل) عدد ٢١٧٢.
(٢) انظر: المسند: ٣/١٤٠ وللبزار مثله، وله شاهدان للطبراني في الكبير عن ابن عباس، وفي الأوسط عن ابن مسعود.
(٣) انظر المسند: ٩٣/٣.٨٢/٣.٥٩/٣.٤٩/٣
(٤) هو حديث أبي سعيد أيضا رواه أحمد، انظر المسند: ٧٨/٣.٥٣/٣

<<  <  ج: ص:  >  >>