للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الإمام النووي فقد قال: معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل، لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم، فإنه إن كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق (١) .

وأما القاضي أبو الوليد الباجي فقد قال كلامًا في غاية الدقة والاختصار والرشاقة إذ أفاد أن قوله صلى الله عليه وسلم: " ما عليكم أن لا تفعلوا " هو ندب منه صلى الله عليه وسلم إلى نهاية التوكل وإشارة إلى فضيلة من عول على ذلك (٢) .

وعندي أن كلام الباجي – رحمه الله – هو الذي عنده ينتهي الفهم السليم لمدلول هذه العبارة، وبه ينكشف المقصد الأسمى لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٢ – اتجاه القائلين بعدم الجواز مطلقًا أو بالجواز المشروط ومستند المانعين مطلقًا حديث جذامة بنت وهب الأسدية الذي رواه الإمام مسلم قال: حدثنا عبيد الله بن سعيد، ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا المقرئ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة، قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: ((لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا)) ، ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك الوأد الخفي)) زاد عبيد الله في حديثه عن المقرئ وهي {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} (٣) .

وجه الاستدلال بهذا الحديث لدى من قال بحرمة العزل كأبي محمد ابن حزم قالوا: الأصل في الأشياء الإباحة على وفق البراءة الأصلية وأحكام الشرع، إنما تأتي ناقلة عن البراءة الأصلية.

فقول جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئًا ينهى عنه لنهى عنه القرآن) هو لتقرير حكم الإباحة على وفق البراءة الأصلية، وقد ارتفع هذا الحكم بورود النهي عن العزل ممن أنزل عليه القرآن حين قال: ((ذلك الوأد الخفي)) ، وهي {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} .


(١) انظر: شرح مسلم: ١٠/١٠-١١ (دار الفكر، ط – ثانية بيروت ١٩٧٢-١٣٩٣) .
(٢) انظر: المنتقى: ١٤٢/٤ (مط السعادة – ط – أولى القاهرة ١٣٣٢ هـ) .
(٣) مسلم: طلاق: (٣٨) أحمد: ٤٣٤/٦.٣٦١/٦ ابن ماجه: نكاح: (٦١) (باب الغيل) عدد ٢٠١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>