للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المرجحون فمنهم من ضعف حديث جذامة لمعارضته لما هو أكثر منه طرقًا، وهو حديث أبي سعيد، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ولا يمكن الجزم بهذا حتى يعلم التاريخ، وحاول الطحاوي أن يعرض صورة لنسخ حديث جذامة فقال: يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولًا من موافقة أهل الكتاب، وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه.

وقد تعقب هذا الافتراض كل من الإمامين ابن رشد ثم ابن العربي فقالا: بأنه لا يجزم بشيء تبعًا لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه (١) ومنهم من قدح في حديث جذامة وضعفه بأن الزيادة التي في آخره (وهي: وإذا الموءودة سئلت) تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، وقد روى الحديث مالك ويحيى بن أيوب، عن أبي الأسود فلم يذكراها، كما حذفها أهل السنن الأربع (٢) .

أما إمكانية الجمع فقد قال بها بعض العلماء ومنهم البيهقي حين حمل حديث جذامة على التنزيه دون التحريم.

ومنهم ابن القيم حين قال: (الذي كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم، وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقة، وإنما سماه وأدًا خفيًّا في حديث جذامة؛ لأن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، ولكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة، اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفًا، فلذلك وصفه بكونه خفيًّا) (٣)

قال الشوكاني: وهذا الجمع قوي (يعني ما فعله ابن القيم) وقال شيخ الإسلام ابن حجر: فهذه عدة أجوبة يقف معها الاستدلال بحديث جذامة على المنع. جـ - إن حديث جذامة الذي تمسك به أبو محمد ابن حزم ليس صريحًا في المنع والحرمة إذ لا يلزم من تسمية العزل وأدًا خفيًّا على طريقة التشبيه أن يصبح حرامًا مثل الوأد؛ لأن التشبيه لا يفيد المطابقة وتمام المماثلة إلا على ضرب من الادعاء والمبالغة، وهذا مقبول في مجال التحسينات البلاغية وليس مقبولًا في مجال الحقائق وتحديد الحدود.


(١) ابن حجر، الفتح ٣٠٩/٩ (ط-دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت) .
(٢) عن الشوكاني انظر: نيل الأوطار: ٣٤٩/٦-٣٥٠.
(٣) ابن حجر، الفتح ٣٠٩/٩ (ط-دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت) . عن الشوكاني انظر: نيل الأوطار: ٣٤٩/٦-٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>