للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور محمد سيد طنطاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة تنظيم الأسرة من المسائل التي اهتمت بها كثير من الدول والهيئات.

وقبل أن نبدأ في الحديث عن هذه المسألة من الناحية الدينية نحب أن نتفق على الحقائق التالية:

أولا: الأديان السماوية أنزلها الله تعالى لسعادة البشر ولهدايتهم إلى الصراط المستقيم، ولغرس المعاني الفاضلة في نفوسهم وأن الكتب الذي أنزلها سبحانه على أنبيائه قد قررت هذه الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} . [إبراهيم ١] .

ثانيا: الكلام في الأمور الدينية بصفة خاصة وفي غيرها بصفة عامة يجب أن يكون مبنيا على العلم الصحيح والفهم السليم والدراية الواسعة الواعية لأصول الدين وفروعه ولمقاصده وأحكامه، وأن يكون لحمته وسداه الأمانة والصدق وخدمة الحق والعدل والتنزه عن الأحقاد والأطماع والبعد عن المآرب والأهواء، والترفع عن النفاق وكتمان الحق قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل ١١٦] وفي الحديث الصحيح ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))

ثالثا: إن الخلاف في الأمور التي تقبل الاجتهاد لا غبار عليه ولا ضرر منه ما دام القصد الوصول إلى الحق وإلى ما تتحقق معه المصالح النافعة للأفراد والجماعات.

وما دام هذا الخلاف مصحوبا بالنية الحسنة وبالكلمة الطيبة وبالمناقشة الرصينة التي يزينها الأدب ومكارم الأخلاق ولقد سما النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاجتهاد فبشر أصحابه بأنهم مأجورون سواء أصابوا أم أخطأوا فقال في حديث صحيح ((: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) .

رابعا: إن الأولاد هم ثمرة القلب وإحدى زينتي الحياة الدنيا ولكن الأولاد في الوقت نفسه أمانة في أيدي آبائهم، ويجب على الآباء أن يرعوا هذه الأمانة حق رعايتها وأن يحسنوا تربيتهم دينيا وجسميا وعلميا وخلقيا، وبأن يقدموا لهم ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية.

خامسا: إن هذا الكون قد أقامه الله تعالى على نظام دقيق بديع محكم فكل شيء فيه يسير وفق تدبير متقن وتنظيم بديع، فالشمس تشرق وتغرب في وقت معلوم ومثلها القمر والليل والنهار كما قال سبحانه {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>