للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثالث: إن الوفاء بها مستحب لا واجب، وهو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وبعض المالكية وغيرهم، جاء في العقود الدرية لابن عابدين: سئل فيما إذا وعد زيد عمرًا أن يعطيه غلال أرضه الفلانية فاستغلها وامتنع من أن يعطيه من الغلة شيئا فهل يلزم زيدا شيء بمجرد الوعد المزبور؟ الجواب لا يلزمه الوفاء بوعده شرعا، وإن وفى فبها ونعمت، وفي التمهيد لابن عبد البر: وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله بن الحسن وسائر الفقهاء، أما العدة فلا يلزمه فيها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة، وفي غير العارية: أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض ولصاحبها الرجوع فيها، ثم قال: إن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة، وذلك من أخلاق أهل الإيمان، وقد جاء في الأثر: " وأي المؤمن واجب "، أي واجب في أخلاق المؤمنين، وإنما قلنا: إن ذلك ليس بواجب فرضا، لإجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به الغرماء كذلك قلنا: إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن، يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به، ويستحق على الخلف في ذلك الذم، وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره: وكفى بهذا مدحًا وبما خالفه ذمًا.

والقول الرابع: إن كانت العدة مرتبطة بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء بها كما يجب الوفاء بالعقد، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد، كما إذا وعده بأن يسلفه ثمن دار يريد شراءها، فاشتراها حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج، فتزوج اعتمادا على هذا الوعد، ففي هذه الحالات وأمثالها يلزم الواعد قضاء بالوفاء بما وعد به، أما إذا لم يباشر الموعود تلك الأسباب، فلا يلزم الواعد بشيء. وهذا القول هو المشهور والراجح في مذهب مالك، وعزاه القرافي إلى مالك وابن القاسم وسحنون، وقد أشار العلامة محمد العزيز جعيط إلى أن هذا القول المشهور ليس مبنيا على أساس وجوب الوفاء بالوعد- أي أن في الوعد قوة ملزمة للواعد كما هو الشأن في العقد- بل هو مبنى على عدم وجوب الوفاء به وإنما قضى به في صورة ما إذا أدخله في شراء عقار أو تزوج امرأة أو غير ذلك.

لأنه تسبب له في إنفاق مال قد لا يتحمله ولا يقدر عليه، رفعا للضرر عن الموعود المغرر به، وتقريرا لمبدأ تحميل التبعة لمن ورطه في ذلك، إذ لا ضرر ولا ضرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>