للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الخامس: إن كانت العدة مرتبطة بسبب، وجب الوفاء بها قضاء، سواء دخل الموعود في السبب أو لم يدخل فيه، وإلا فلا، فلو قال شخص لآخر: أعدك بأن أعيرك بقري ومحراثي لحراثة أرضك، أو أريد أن أقرضك كذا لتتزوج، أو قال الطالب لغيره: أريد أن أسافر أو أن أقضي ديني أو أن أتزوج فأقرضني مبلغ كذا فوعده بذلك ثم بدا له فرجع عن وعده قبل أن يباشر الموعود السبب الذي ذكر من سفر أو زواج أو وفاء دين أو حراثة أرضٍ ... إلخ، فإن الواعد يكون ملزما بالوفاء، ويقضى عليه بالتنفيذ جبرا أن امتنع، أما أن كانت العدة على غير سبب، كما إذا قلت: أسلفني كذا، ولم تذكر سببا، أو أعرني دابتك أو بقرتك ولم تذكر سفرا ولا حاجة، فقال: نعم، أو قال الواعد من نفسه: أنا أسلفك كذا أو أهب لك كذا ولم يذكر سببا، ثم رجع عن ذلك، فلا يلزم بالوفاء بها، قال القرافي: وبذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهو قول في مذهب المالكية وقريب منه قول الإمام أصبغ منه.

ب- المواعدة: المواعدة في اللغة تعني نشوء وعدين متقابلين من شخصين، فهذا يعد فلانا بكذا، والآخر يعده بكذا في مقابلة ذلك، أما في الاصطلاح الفقهي فهي عبارة عن إعلان شخصين عن رغبتهما في إنساء عقد في المستقبل تعود آثاره عليهما.

وأكثر الفقهاء استعمالا لهذا المصطلح المالكية. وقد عبر عنها في النكاح الحطاب بقوله: المواعدة أن يعد كل واحد منهما صاحبه بالتزويج، فهي مفاعلة، لا تكون إلا من اثنين. فإن وعد أحدهما دون الآخر، فهذه العدة، وبهذا افترقت المواعدة عن العدة التي سبق بيانها من حيث كون الأولى لا تنشأ إلا باجتماع رغبة طرفين، بينما تتم العدة بإعلان الرغبة من طرف واحد، وقد ذكر الفقهاء المواعدة في مسائل عديدة منها: المواعدة على البيع وقت نداء الجمعة، والمواعدة على بيع ما ليس عند الإنسان.

ومع أن الفقهاء اتفقوا على عدم مشروعية بعضها، كالمواعدة على النكاح في العدة، واختلفوا في جواز بعضها الآخر كالمواعدة في الصرف ونحوها، فإنه لم ينقل عن أحد منهم- سواء كان من المجيزين أو من المانعين- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين أو لكليهما، لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدا، وفي ذلك يقول ابن حزم: والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة، وفي بيع الفضة بالفضة، وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز، تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا، لأن الواعد ليس بَيِّعًا.

على أن المتواعدين لو اتفقا على أن يكون العقد الذي تواعدا على إنشاءه في المستقبل ملزما للطرفين من وقت المواعدة، فإنها تنقلب إلى عقد، وتسري عليها أحكام ذلك العقد، إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>